واقع الاقتصاد القطري بعد المقاطعة الخليجية .. أزمات وركود

سببت أزمة المقاطعة التي فرضها الرباعي العربي على الدوحة بعد تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية واتهامات دعم الإرهاب وتيارات الإسلام السياسي والتنظيمات الراديكالية؛ سببت أزمات فعلية لاقتصاد الإمارة الصغيرة – رغم ما تتمتع به من ثراء جراء ثروات الغاز الذي تمتلكه- حيث انعكس ذلك على مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي على مستوى الدولة بعد سنوات المقاطعة المستمرة

وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو حزيران 2017 العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، بسبب دعم الدوحة للإرهاب، ما أثر على اقتصادها ومؤشراته وقطاعاتها كافة بشكل سلبي، ما قاد إلى تخارج نقد أجنبي واستثمارات وتعثر مشاريع.

اقتصاد ريعي

تصنف قطر ضمن دول الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد بشكل رئيسي على تصدير الغاز، والذي يحتاج إلى خطط إستراتيجية تعززه بتدشين صناعات عملاقة للقيمة المضافة، وإن كان بعضها موجودا لدى الدوحة، لكن ليس بالقدر الكافي لانتشال اقتصاد يعاني من صدمات قوية.

وتعتبر إخفاقات صناعات القيمة المضافة، أمرًا يضاف إلى نظام الدوحة الحالي، الذي لم يعلن عن خطط تعزز قوة الاقتصاد، وتتفرغ لتبني سياسات متناقضة لفك العزلة العربية.

جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، وصف – بحسب تصريحاته لصحيفة العرب –  سياسات قطر عمومًا بأنها تسير على طريقة “خالف تُعرف”، ولا مستقبل للتوجهات الاقتصادية التي تنتهجها حاليًا.

وقال بيومي، إنه “مهما بلغت قوة العلاقات القائمة على التمويلات فلا بد أن تصل لنهاية لأن هناك حدودا له لا يمكن تجاوزها، خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم”.

ليؤكد أن “الدوحة رفعت حجم المعاملات التجارية لنحو ثلاثة أمثاله مع تركيا، أي نحو 15 مليار دولار، من خمسة مليارات، وتحقق من خلال ذلك دعم الليرة التركية المنهارة أمام الدولار، في حين أن قطر في أمس الحاجة إلى دعم عملتها”.

أزمات جديدة

تتواصل قضايا وأزمات قطر الاقتصادية بالظهور.. حيث

طالبت مؤخرًا نائبة أسترالية الحكومة القطرية بدفع تعويضات لراكبات تعرضن لانتهاك جسيم بعد تفتيشهن قسرا وتجريدهن من ملابسهن بمطار الدوحة.

السيناتور سارة هندرسون، رئيسة اللجنة البرلمانية المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان الأسترالي أكدت معلقة على ما جرى بقولها: “كان هذا حادثًا مروّعًا، وانتهاكًا جسيمًا، وربما عملًا إجراميًا خطيرا للغاية أيضا”، حسبما ذكرت محطة “تو جي بي” الإذاعية في سيدني.

وفي مقابلة مع برنامج مذاع على المحطة الأسترالية أوضحت المسؤولة الاسترالية: “ما كان يجب أن يحدث هذا على الإطلاق.. كانت النساء مرعوبات لأنهن تم نُقلهن عبر دهاليز المطار إلى سيارات الإسعاف كانت في الانتظار”.

وكانت الدوحة قد أقرّت رسميًا بفضيحة “تعرية النساء” في مطار الدوحة بينهن بريطانيتان، وتفتيشهن ذاتيًا، على إثر العثور على رضيعة حديثة الولادة في دورة مياه بالمطار في الثاني من أكتوبر تشرين الأول.

تزايد الديون.. طريق مسدود

ارتفع الدين العام لدولة قطر وتزايدت أدواته المستحقة على الحكومة القطرية، بعيد قرار المقاطعة العربية للدوحة، مع تزايد حاجة الدوحة للسيولة المالية.

وظهرت مؤشرات الأزمة بشكل أكبر مع التعقيدات التي فرضها تفشي جائجة كورونا، الأمر الذي أجبر الحكومة القطرية على التوجه إلى أسواق الدين الخارجية.

في نسخة بيانات المركزي القطري – وفق ما نقلته العين الإماراتية – بلغت قيمة السندات المحلية، واجبة السداد على الحكومة القطرية، وصلت حتى مطلع الشهر الجاري، نحو 79.37 مليار ريال (ما يقارب 21.8 مليار دولار).

حيث تتنوع أدوات الدين بين الاقتراض المباشر، والسندات والأذونات والصكوك، التي وصل مجموعها أكثر من 126 مليار ريال، وقامت الحكومة القطرية باستخدامها جميعها؛ للحصول على السيولة اللازمة لنفقاتها الصاعدة مقابل إيراداتها المتراجعة.

نال القطاع المصرفي المحلي حصة كبيرة في السندات المستحقة على الحكومة القطرية، فاشترت المصارف المحلية أدوات دين حكومية، من الصكوك والأذونات قصيرة الأجل، الأمر الذي خفض من حجم السيولة لدى البنوك العاملة في البلاد.

وتشير البيانات الرسمية، أن إجمالي إصدارات الصكوك (أدوات دين متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية) للحكومة القطرية حتى مطلع الشهر الجاري، وصل إلى ما يقارب نحو 44.47 مليار ريال قطري (12.22 مليار دولار أمريكي).

أما إجمالي الأذونات (التي تعتبر أدوات دين قصيرة الأجل لا يتجاوز عمر استحقاقها العام الواحد)، نحو 3 مليارات ريال (825 مليون دولار أمريكي).

وعليه، بات إجمالي أدوات الدين المحلية المستحقة على الحكومة القطرية حتى مطلع الشهر الجاري، قد بلغت 126.8 مليار ريال قطري (قرابة 34.9 مليار دولار أمريكي).

ويشار أن تلك الأرقام لا تتضمن الاقتراض المباشر الذي تقوم به الحكومة من البنوك العاملة في السوق المحلية، ولا يشمل كذلك أدوات الدين الخارجية للدوحة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

سندات دين دولية

وجدت قطر في الاقتراض أسهل خيار لتوفير السيولة، خاصة النقد الأجنبي، تزامنًا مع تراجع الإيرادات المالية بعد هبوط أسعار النفط الخام، إضافة لتراجع أسعار الغاز، بعد هبوط الطلب عليه مع موسم شتاء معتدل في القارة الأوروبية.

حيث أعلنت الإمارة في شهر نيسان إبريل الماضي.. عن إصدار سندات وبيعها في الأسواق الدولية بقيمة إجمالية 10 مليارات دولار، وهو ثاني أعلى رقم إصدار سندات في تاريخها، وسط تراجع حاد في إيراداتها.

وكانت الدوحة قد أصدرت في شهر مارس آذار عام 2019، سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار، ومثلها في أبريل نيسان 2018.

العقار.. ركود واستجداء

أُعلنت الدوحة في سبتمبر/أيلول الماضي هي الأحدث ضمن سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ الاقتصاد من براثن الخسائر المتتالية التي تكبدتها الدوحة كثمن للحصار المفروض جراء تدخلها في شؤون الدول ودعم الإرهاب.

وفي ظل استمرار معاناة قطر من أسوأ أزماتها الاقتصادية في ظل المقاطعة العربية التي عصفت بها، تحاوا الدوحة تحصيل أموال المستثمرين الأجانب مقابل العقارات الراكدة.

حيث تعمل الدوحة على التعامل مع زيادة العرض في سوقها العقارية (زادت نسبة وعدد الأبراج الفارغة) في حين شهدت الأسعار تراجعا بنحو الثلث منذ عام 2016، وفقا لمؤشر أسعار العقارات السكنية لشركة “فالوسترات” الاستشارية بحسب تقارير إعلامية.

وأصبح شراء عقار بقيمة 200 ألف دولار فقط يؤمّن إقامة مؤقتة طوال مدة ملكية العقار.. في حين كان المستثمرون في السابق يحتاجون إلى رعاية من شركة قطرية أو فرد للحصول على الإقامة..

ومؤخرًا أصبح شراء عقار بقيمة مليون دولار يمنح المشتري؛ الإقامة الدائمة وميزاتها (بما في ذلك التعليم المجاني والرعاية الصحية).

كما أن شراء متاجر للبيع بالتجزئة في مراكز التسوق تؤهل مشتريها أيضا للحصول على الإقامة.

نفور المستثمرين

اعترف سعيد عبدالله السويدي، المسؤول في وزارة العدل القطرية – بحسب العين الإماراتية –  بانعدام جاذبية الدوحة للمستثمرين.

حيث أكد أنه “لا يوجد طلب كبير، لكنّنا نحاول تشجيع الاستثمار العقاري.. نهدف إلى تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط والغاز”.

ويأتي هذا العزوف رغم أن قطر حددت مناطق لديها بنية تحتية جديدة ومتطورة وإطلالة على البحر.

وازداد نفور المستثمرين الدوليين مع ما تُطبقه الدوحة من قيود صارمة على الحريات، أي أن الحملة موجهة في الأساس للأجانب المقيمين بقطر.

أحد السماسرة العقاريين الذين يروجون للبرنامج “الفكرة برمتها هي أن يعمل الوافدون والمواطنون المحليون معًا ويحاولوا الترويج لنظرة طويلة الأجل لقطر”.

أما أوليفر إسيكس، وكيل العقارات في “سوثبيز” في الدوحة، قال – وفق ذات المصدر – إنه يتوقّع أن يتركّز معظم الاهتمام الأولي من الأجانب الذين يعيشون بالفعل في قطر، وليس من المستثمرين المقيمين في الخارج.

وقال تقرير صدر الشهر الماضي، إن التدابير المفروضة للوقاية من كوفيد -19 أدت إلى تسريح موظفين حكوميين وعاملين في شركات خاصة، ما أدّى بشكل غير مباشر إلى هجرة قوة عاملة كبيرة من قطر.

أما مؤشر عقارات قطر خلال العام الجاري، فتراجع لأدنى مستوى له منذ يونيو حزيران 2014، مدفوعًا بتراجع الطلب، وارتفاع الأسعار.

حيث يستند مؤشر أسعار العقارات على بيانات وزارة العدل القطرية، ويتألف من حجم العرض والطلب، ويتراجع المؤشر كلما زاد العرض كما هو في الوقت الحالي، بينما ترتفع قراءاته مع زيادة الطلب على العقار.

وبحسب مسح اقتصادي لـ “العين الإماراتية” على بيانات صادرة عن مصرف قطر المركزي، فإن مؤشر العقارات هبط إلى 208.9 نقاط في أغسطس آب الماضي، أدنى مستوى منذ يونيو 2014، قبل أن يشهد بعض الصعود في سبتمبر أيلول 2020.

قراءة المؤشر وصلت في أيلول سبتمبر 217.1 نقطة، قريبًا من أدنى مستوياه في ستة أعوام ونصف، وهو أول صعود بأكثر من 9 نقاط منذ يونيو حزيران 2018، ناجم عن استئناف نشاط البيع والشراء للعقار، بعد توقف بشكل كامل خلال شهور جائحة كورونا الماضية، ليس بفعل تحسن الطلب.

أما حركة الاستثمار الأجنبي والمحلي في سوق العقارات القطري، فانخفضت بشكل كبير ما أدى إلى ركود وتوقف العديد من المشاريع، وذلك منذ بد المقاطعة في 2017، قبل أن تفقد كل مقومات النشط خلال شهور كورونا الماضية.

وعلى أساس سنوي، تراجع المؤشر بنسبة 14% خلال سبتمبر أيلول الماضي، نزولا من 252.8 نقطة في سبتمبر 2019، وفق بيانات المركزي القطري.

يذكر هنا أنه قبل بدء المقاطعة العربية ضد الدوحة كانت قراءة مؤشر أسعار العقارات قد بلغت 282 نقطة، ثم بدأ بعد ذلك المسار الهبوطي بحسب المسح.

قطاع البنوك متراجع

قال المصرف المركزي في تقرير له شهر أغسطس آب الماضي إن قطر تتوقع أن ينكمش اقتصادها هذا العام بسبب ضعف أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا، وذلك بعد أن تراجع 0.3 بالمئة العام الماضي.

التقرير أكد إن التحليل المبدئي للمصرف المركزي يشير إلى إنه إذا استمرت تلك الظروف غير المواتية لفترة ممتدة فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيظل سلبيا في 2020 .

ليوضح التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2019 انكمش بنسبة 0.3 بالمئة فيما يرجع بشكل رئيسي إلى تباطؤ في قطاع النفط والغاز.

ومن المنتظر ان تتعمق ازمة الاقتصاد القطري مع تواصل تراجع قطاع النفط والغاز الممول الرئيسي لبقية القطاعات في الامارة.

ورغم ما يشار حول رتفاع مؤشر سوق قطر للأوراق المالية اليوم الأثنين بحوالي 92 نقطة وبنسبة  0.96 بالمئة ليغلق عند مستويات 9695 نقطة لكن ذلك لا ينفي حالة الركود الاقتصادي.

وتنتظر الدوحة أخبارا غير سارة خلال العام الحالي تزيد معاناتها الاقتصادية، حيث كشفت بيانات مصرف قطر المركزي عن حاجة الدوحة لنحو 2.8 مليار دولار خلال الأشهر الستة المقبلة لسداد ديونها الداخلية

إلى ذلك.. أبدت نتائج أعمال قطاع البنوك في قطر هبوطًا فعليًا في الأرباح بنهاية الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 10.6% على أساس سنوي.

ووفق الإفصاحات المقدمة إلى بورصة قطر تراجعت أرباح قطاع البنوك والخدمات المالية إلى 16.91 مليار ريال بعد ضغوط من تجنيب مخصصات إضافية لمواجهة تداعيات جائحة كورنا على محفظة القروض والتمويل.

حيث تصدر البنك التجاري قائمة البنوك الأكثر انخفاضا على مستوى الربحية بنسبة 22 % على أساس سنوي إلى 1.15 مليار ريال، لكن البنك الخليجي التوقعات ونمت أرباحه الفصلية بنسبة 9.3 % مدعومًا بزيادة إيرادات التشغيل.

في حين استمر الضرر الواقع على نتائج بنك قطر الأول خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري بشكل حاد، تحت ضغوطات تفشي فيروس كورونا.. في رحلة سقوط حر وفق توصيف التقارير الاقتصادية المتعلقة بالبنك القطري في ظل تباطؤ نمو الإقراض المصرفي في السوق المحلية.

وبلغت خسارة البنك حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي 221 مليون ريال قطري (60.7 مليون دولار)، هبوطًا من 303.6 مليون ريال (83.45 مليون دولار أمريكي) في الفترة المقابلة من العام الماضي 2019.

البورصة تتراجع

 تراجع مؤشر بورصة قطر 3 % خلال أكتوبر تشرين أول بفعل المقاطعة العربية، وتفشي فيروس كورونا، وضعف بيئة الأعمال في الإمارة.

وأجرت “العين الإخبارية”، مسحًا جرى استنادا إلى بيانات البورصة القطرية، ظهر بنتيجته أن المؤشر العام تراجع بنسبة 3 % أو 299.370 نقطة، لتستقر قراءة المؤشر عند 9691.02 نقطة، نزولا من 9990.39 نقطة في سبتمبر أيلول.

حيث فقدت القيمة السوقية للبورصة ما قيمته 22.8 مليار ريال (6.26 مليارات دولار أمريكي) في تعاملات الشهر الماضي، لتستقر القيمة السوقية عند 565 مليار ريال (155.3 مليار دولار أمريكي).

وتراجع تصنيف القطاع العقاري في السوق القطري كمصدر للاستثمار وتحقيق العوائد والدخل للناتج المحلي الإجمالي.. بعد الضعف الحاد الذي يشهده الطلب على المنشآت في وقت يشكل فيه المعروض فائضًا كبيرًا عن الحاجة الفعلية للسكان والمستثمرين.

للطيران نصيبه

تعاني الخطوط الجوية القطرية “المملوكة للحكومة” من أزمات حادة؛ دفعتها إلى التلويح بإلغاء طلبيات من بوينغ وإيرباص إذا لم تستجب المجموعتان العملاقتان لمقترحها بتأجيل التسليم، كما أنها ستبيع خمس طائرات، فضلًا عن مشاكل متنوعة أخرى.

وكانت الأجواء الإيرانية ملاذا لخروج قطاع الطيران القطري من تلك الأزمة، رغم خطورتها وارتفاع تكاليف تشغيلها، فضلا عن استمرار الخسائر حتى الوقت الراهن بسبب جائحة كورونا.

هذا وتعتبر موارد قطر غير النفطية محدودة، فهي لا تمتلك مزارات أو أماكن تجعلها قبلة السياحة العالمية، ولذلك اعتمدت على جزء من سياحة الترانزيت عبر خطوط الطيران التي تقصد الدوحة للتوقف جزئيًا لمواصلة رحلاتها لمقاصد أخرى.

Exit mobile version