قرّاء الرئيس الروسي، المنقبون في شخصيته، يعرفون بالتمام والكمال، أن “القيصر في رأسه”، أما الله فليس في قلبه كما حال الروس، معظم الروس، الذين يقولون أن القيصر والله يجتمعون في شخصية الروسي.
هذه القراءة تعني، أنه رجل لايعرف طريق الرحمة، لارحمة الغير، بل أيضًا الرحمة لأنصاره وشعبه، وبهذا فثمة من يعتقد أنه لم يتراجع عن حربه مع الأوكران حتى ولو كلفه ذلك قنبلة نووية سترتد على بلاده بنقابل نووية، والنتيجة دمارًا شاملاً سيطال الجزء الأعظم من العالم على الأقل.
حتى اللحظة بلغت المساحات التي احتلتها القوات الروسية من أوكرانيا 100 ألف كيلو مترًا مربعًا، أي عشرة أضعاف دولة بحجمم لبنان، غير أن هذه الاحتلالات لن تعني انتصارًا روسيًا، فالآلة الحربية الروسية تواجه اخفاقات حادة في الكثير من المناطق، هذا عدا تذمر قواته من هذه الحرب كما تذمر شعبه منها وقد اندفع آلاف من الشباب الروس لمغادرة موسكو هربًا من تجنيدهم في آلة الحرب الفاتكة التي تعني الموت أو احتمالاته.
الغرب كل الغرب يقف بمواجهة “بوتين” وحتى الفاتيكان الذي طالما اشتغل على الحياد انضم الى الغرب في استنكار حرب بوتين هذه، اما الشرق، والإسلامي منه على وجه التحديد، فجزء كبير منه يتمنى هزيمة روسيا، لتهزم أقله في سوريا عبر تداعيات هزيمتها في أوكرانيا، وليس لروسيا من الشرق سوى إيران التي تعانده في العقيدة وتحالفه في السياسة، ما يعني تحالفًا مؤقتًا وقد ينقلب هذا التحالف في أية لحظة بحثًا عن الاستفراد في “المملكة السورية” التي تعني لإيران استكمال المثلث الشيعي، فيما تعني لروسيا مياه المتوسط.
الصين تلف أذرعها حول صدرها في مجلس الأمن الدولي، تحالف الروس دون الامتداد بعيدًا وصولاً لمجابهة الغرب، فالصينيون يشتغلون على الأسواق، وروسيا ليست سوقًا يغريها بالتخلي عن الغرب أو إعلان الطلاق معه، أما الأمريكان فهم الرابحون حيث تمطر، فالخراج لهم، وهاهي هي نصف سنة تمضي على الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ولا من منتصر ولا مهزوم فيها، وكل ماحصدته من نتائج كانت، أوروبا المهددة بالصقيع، وروسيا المتعنتة المعاندة، أما الأوكران، فلابد وأنهم يستثمرون في هذه الحرب بما يجعلهم اسفنجة تمتص مساعدات هائلة، تمتد من السلاح بأحدث مبتكراته حتى حليب الأطفال، والكل يتابع حربه، وما من خاسر مؤكد فيها سوى أوروبا وقد ارتفعت فيها فاتورة الكهرباء والوجبات السريعة.
هي نصف حرب عالمية تحدث اليوم، وستبقى نصف حرب، أقلّه لأنها استثمار أمريكي مابعده استثمار، فإضعاف أوربا مصلحة أمريكية، والعبث بروسيا كذلك، ومادامت الحرب نصف حرب فالرابح فيها هم الأمريكان وحدهم، اما إذا ماتحولت إلى حرب عالمية أسوة بحربين عالميتين سابقتين، فما حال العالم عندها.
لا الصينيون سيبقون بنصف خطوة، ولا الأوربيون بمستطاعهم الحافظ على مستوى معركتهم الراهنة التي تكتفي بشحن السلاح والأطعمة، اما عن الأمريكان فهم وراء المياه البعيدة، وكما درجت العادة، لايدخلون حربًا عالمية إلا وقد ضمنوا انتصارها.
سيضمنون هذا الانتصار مرة واحدة:
ـ يوم تنهك روسيا، ويصيب الشلل أوربا، ويوم يغلق العالم بوجه الصين.
وحدهم آخر المحاربين وأول من يقطف نتائج المنتصر.