منذ أن ولد تحت عنوان “لبنان الكبير”، وهو أزمة أكثر مما هو دولة:
ـ هو مجموع طوائف متزاوجة قسرًا، ومتحاربة حين يتوفر السلاح، المال، الراعي، والإرادة متوفرة في كل آن.
ـ وهو جغرافية، لا أحد من سكّانها راض بها، فهو سعودي في طرابلس، وفرنسي في جونيه، وسوري في البقاع، وإيراني في الجنوب، وهو فرنسي تبعًا لأزياء كوكو شانيل.
ـ وهو فساد يجر الفساد، وكليهما الفساد والفساد يفقران الناس، والفقر مذلّة.. مذلّة ما بين الابن وأبيه، والدولة وسكّانها، والسلطات وكل من أزلامها وأنصابها يشرب من كأس.
ـ وهو مساحة حرب الآخرين على أرضه، إن لم يكن حرب الجار مع الجار.
وهو المصرف الـ “بلا ضمانة”، والمشفى بلا الـ “تأمين صحي”، والتبولة وحدها المصدر الاقتصادي الثري، وقد باتت التبولة الإسرائيلية تنافس التبولة اللبنانية، حتى نسب اكتشافها إلى طبّاخ إسرائيلي.
وهو من يحدث الضجة بـ “تصريح” مذيع بات وزيرًا، وبمماطلة وزير في الاستقالة تبعًا للـ “كرامة الوطنية”، وهو استقالة الوزير بعد هدية فرنسية لم تصل وقد لاتصل.
وهو اكثر من هذا وذاك مرتع لسلاح فقد وظيفته، اللهم إلاّ إذا كان بمواجهة اللبناني، فالإيرانيون يعرفون طريقهم في تبريد الصراع مع المجموعة الدولية والخليجية وكذلك مع الأمريكان، فيما “حزب الله” يسخّن خطاباته، ويحال من “حزب المظلومين” إلى حزب “الكبتاغون” وصناعة المرتزقة ليرشق بهم من اليمن الى العراق إلى سوريا إلى بحر الكاريبي الكبير.
“لبنان” الكبير، وهو بحجمه في الجغرافية لايتسع لركّاب مترو في بكين، وهو بحجمه الكبير مقسّم إلى صغير وصغير وصغير.
واليوم؟
استقال جورج قرداحي، بموافقة من معلّمه سليمان فرنجية، وبرجاءات هامسة من رئيس الجمهورية، وبطلب “أخوي” من نجيب ميقاتي، وبالتوقيت الفرنسي حيث الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي الى العربية السعودية، كما لو أن ماكرون سيشيل الزير من البير، دون نسيان أن فرنسا كانت الام الحنون، وقد تنازعت إيران أمومتها، فيما سوريا “سوا ربينا” مازالت تشتغل في لبنان، كما لو أنه متفرع من قصر المهاجرين، فإذا ما انتحر غازي كنعان، واغتيل رستم غزالة، ورحل وليد المعلم، وتصدعت مملكة عبد الحليم خدام، فالطريق مازالت مفتوحة إلى بيروت حتى قيل بأن ثمة قوى لبنانية من صف 8 آذار تعد للمطالبة بعودة القوات السورية الى لبنان، وليس بعيدًا أن تجد هذه القوى دعمًا من جامعة الدول العربية التي تشتغل على إعادة بشار الأسد إلى مقاعدها في قمة الجزائر القريبة من العين والقلب ولا ينقصها سوى نشيد “وحدة ما يغلبها غلاب”.
بلد اسمه لبنان، لاهو بالجمهورية الديمقراطية التي تتنازع السلطة عبر الرأي الحر والاقتراع، ولا هو وطن المستبد الذي يؤمر فيطاع، ولا هو ثكنة، ولا هو كاباريه، ولا هو صومعة ولا هو خمارة.
هو ذلك الكوكتيل الغريب العجيب.
كوكتيلاً يمكن أن يتحوّل إلى وصفة للانهيار.
ينهار البلد، والضجيج لـ :
ـ استقالة وزير لم يسبق له أن توزّر سوى على “الفوازير”.