وفاة هنري كسنجر عملاق الدبلوماسية الأمريكية

مرصد مينا

توفي اليوم الخميس عملاق الدبلوماسية الأميركية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر عن مئة عام الأربعاء، بحسب ما أعلنت مؤسسته.

وقالت المؤسسة الاستشارية في بيان إنّ كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد وأدّى دوراً دبلوماسياً محورياً خلال الحرب الباردة “توفي اليوم في منزله بولاية كونيتيكت”.

ولد كسنجرفي جنوب ألمانيا عام 1923، حيث كان والده مدرسا، وفرت عائلته من ألمانيا النازية، وجاءت إلى الولايات المتحدة في عام 1938، وفق مؤسسته الاستشارية.

وأضافت: “بعد أن أصبح مواطنا أميركيا في عام 1943، خدم في فرقة الجيش الرابعة والثمانين من عام 1943 إلى عام 1946، وحصل على النجمة البرونزية لخدمته الجديرة بالتقدير، وكذلك انضم بعد ذلك إلى فيلق الاستخبارات المضادة في ألمانيا، حتى عام 1959”.

كيسنجر أطلق عجلة التقارب بين واشنطن وكلّ من موسكو وبكين في سبعينيات القرن الماضي، وقد حاز في 1973، تقديراً لجهوده السلمية خلال حرب فييتنام، جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الفيتنامي لي دوك ثو. وظلّ كيسنجر حتى وفاته فاعلاً على الساحة السياسية الدولية ولم يثنه تقدّمه في السنّ عن السفر ولقاء العديد من قادة العالم، وكان آخرهم الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي التقاه في تمّوز/يوليو الفائت في الصين.

اللافت أن هذا السياسي الأمريكي المخضرم، لم يخلد إلى الراحة ولم يعتزل العمل، بل واصل نشاطه وأداء أدوار دبلوماسية من خلال شركته الاستشارية الخاصة، حتى أنه في يوليو من هذا العام زار بشكل مفاجئ العاصمة الصينية بكين والتقى برئيسها شي جين بينغ!

صحيفة واشنطن بوست قالت في نعيه إن كيسنجر “بصفته مستشارا للأمن القومي ووزيرا للخارجية، مارس مستوى من السيطرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة نادرا ما يضاهيه فيها أي شخص آخر خارج رتبة الرئيس”.

وزير الدفاع الأمريكي الأسبق آشتون كارتر كان وصفه في وقت سابق بأنه أعظم وزير خارجية أمريكي، لافتا إلى أن “الولايات المتحدة والعالم مدينان بشكل كبير لهذا الشخص المتفوق…  أعظم وزير خارجية في تاريخ جمهوريتنا. سجله الرائع في الإنجازات غير مسبوق في التاريخ الأمريكي”.

هذا السياسي الأمريكي الألماني اليهودي الأصل، صاحب التاريخ الطويل في العمل الدولي في حقبة الحرب الباردة وأثناء أكبر وأعقد القضايا بما في ذلك المستنقع الفيتنامي، كان يتميز بقدرته على وصف الأشياء كما هي عليه بدقة بالغة، من ذلك قوله الشهير: “أن تكون عدوا للولايات المتحدة أمر خطير، لكن كونك صديقا فذلك أمر مميت”.

كان كيسنجر أحد منظري سياسة الانفراج مع الاتحاد السوفيتي، وكان تعرض لانتقادات بسبب ذلك الموقف، إلا أنه في نفس الوقت كان برغماتيا بامتياز وقد سعى على سبيل المثال إلى التقارب مع الصين في عهد زعيمها ماو تسي تونغ قبل الاعتراف بهذا البلد، ودخل في حوار سري مع بكين في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، بهدف دق إسفين بين الاتحاد السوفيتي والصين.

من بين التناقضات الكثيرة في شخصية هذا السياسي الأمريكي الدولي أنه كان اتهم بتدبير انقلابات في تشيلي عام 1973 وفي قبرص عام 1974وفي قصف كمبوديا في عام 1969 وغزو أراضيها في عام 1970، وبالتورط في أحداث دولية دامية أخرى ومع ذلك حاز على جائزة نوبل للسلام في عام 1973، مناصفة مع رئيس وفد المفاوضات الفيتنامي لو دوك ثو.

كانت تلك “الجائزة” بمثابة مكافأة لكيسنجر على المفاوضات السرية إلى أفضت إلى اتفاق باريس في عام 1973، والذي بموجبه تم وضع حد للتدخل العسكري الأمريكي الطويل والدموي في فيتنام.

 يُحسب لكيسنجر أيضا “الدبلوماسية المكوكية” الشهيرة التي اتبعها في الشرق الأوسط عام 1973، ومعرفته الكبيرة لطرفي النزاع ومهارته في مخاطبة الطرفين بطريقة خاصة توحي لهما بأخذ مصالحهما وأهدافها في الحسبان!

Exit mobile version