الثورات، كل الثورات تواجه حوادث عمياء، واختبارات صغيرة او كبيرة، خاصة إذا كانت الحكومة من النوع الثيوقراطي وديكتاتورية دينية، ديكتاتورية دينية قل نظيرها في التاريخ، وحين يتصل الأمر بانتفاضة النساء في إيران والتي لابد وتنتقل إلى “ثورة” فإن شعب إيران يعرف جيدا أن وصول خميني والنظام الإيراني الحالي إلى السلطة سنة 1979 فرض على الشعب الإيراني دكتاتورية أسوأ بكثير من دكتاتورية الشاه التي ثار عليها.
وصول الخميني إلى السلطة وقطف ثمار ثورة 1979 إنما جاء نتيجة “فراغ فعلي” كانت نتيجته مأسسة القمع والكبت والديكتاتورية الدينية وبهذا أصبحت “الأيادي الخفية” في وصول خميني إلى السلطة وتغيير النظام من ديكتاتورية إلى ديكتاتورية “معلنة” أسوأ، وبرعاية دولية، فالكل يتذكر هبوط طائرة “الخميني” القادمة من باريس ولذلك يوجد إجماع وجهة نظرعالمية الآن على حقيقة أنه “لولا المهادنين الغربيين لكان النظام الديكتاتوري الديني قد تكفن الآن بمائة كفن”.
الان إذا جازت المقارنة مع أيام الإطاحة بديكتاتورية الشاه، سنشاهد أن إنتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة والتي اجتاحت جميع أنحاء إيران هي حركة منظمة وموجهة على الرغم من أنها لم تجد الظروف الرسمية للظهور بعد، ولن يمر وقت طويل على تقدم الانتفاضة حتى نرى المزيد والمزيد من التطورات الواضحة بهذا الصدد، لكن كل الأنظار مُركزة الآن على القوة التي قادت ووجهت الانتفاضات السابقة خاصة انتفاضة نوفمبر 2019، وهي القوة التي لطالما كانت تخشاها الحكومة الدينية الحاكمة على الدوام، القوة التي على الرغم من الاعترافات التي تم الإدلاء بها أو عدمها هي البديل الديمقراطي الوحيد للنظام الديني الحاكم، ولديه الآن الآلاف من وحدات المقاومة في إيران وتمكنوا من نقل إيران من نقطة “الشرارة” للوصول إلى نقطة “الإنفجار” ووضع الرغبة وأمل النصر على وجوه كل الإيرانيين وأطيافا واسعة من شعوب المنطقة والعالم.
نعم توجد مثل هكذا إمكانيات في إيران، ومثل هذه القوة لتوجيه هذه الطاقات المتصاعدة في المجتمع الإيراني، وعلى الرغم من تشتت قوى المعارضة حاليا خارج الحدود، إلا أن هناك “حصنا مشتركا” و “نضالا مشتركا” للوصول إلى “هدف مشترك” وهو الإطاحة بالديكتاتورية الدينية في إيران الذي أصبح في متناول اليد تماما، وفي إطار المقدرات والضرورات الملحة المرحب بها بروح وجوهر التفاهم، ذلك لأن تحرير الشعب والوطن يعتمد على مثل هكذا نهج.
ثورة النساء الإيرانيات اليوم تخطت كل الثورات السابقة، بوسائلها، ومشهديتها، وبوصفها اللبنة الاولى لالتحرير إيران من دكتاتورية “الولي الفقيه” فحسب، بل بوصفها قاطرة ستأخذ بطريقها دكتاتوريات مدعومة من نظام “الولي الفقيه” وتحت عمامته، فإذا ما انتصرت قلابد أن تعمم انتصارها في سوريا، واليمن ولبنان، وخصوصًا في سوريا التي يقبع نظامها تحت وصاية الدكتاتورية الإيرانية ويستمر بسلاحها.
أمرًا كهذا يستدعي أوسع تحالف ممكن مع نساء إيران الثائرات، فالحرية للإيرانيين تعني تحرر المنطقة برمتها من نظام يصدّر سلاحه وفقهه واغتيالاته إلى العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وليس صدفة أن تتزامن ثورة إيران اليوم مع الانتفاضات الي شهدتها بغداد والتي رفعت شعار إسقاط يافطات وصور قاسم سليماني وعلى يد “شيعة” العراق الذين اكتووا بنار “الخمينية” وادركوا بالملموس انها “المعصية” لا “الفضيلة”.
لبنان اليوم سيأخذ طريقه نحو هذا الخيار، ولبنان الذي نعنيه، هو “لبنان الحاضنة الشيعية” التي لابد وتعود إلى خيارها اللبناني بمواجهة امتدادات “الولي الفقيه” الذي يمثله حزب الله وقد أغرق لبنان بسلاحه ليحمي سلاجه فاسديه.
رياح الثورة في إيران لن تتوقف عند ظهران ومدنها وأريافها.
إنها الرياح التي تهب على المنقطة كل المنطقة، ومن يراقب حجم الارتباك الذي يقع فيه “حزب الله” اليوم سيعلم لم اليقين ان ثورة نساء غيران لن تنتصر إذا لم تنتصر في المنطقة برمتها.
سيكون الامر كذلك.
سيقترب هذا االيوم الذي سيؤسس لما بعده من أيام.