زاوية مينا
اشتغل المحور العربي ممثلاً بدولة الإمارات كما بالمملكة العربية السعودية على احتوائه وانتشاله، فقُدمت له كل المجاديف التي تسهّل عبور زورقه طوفان ما يحدث اليوم والنجاة منه، وذلك على قاعدة تحريره من المركب الإيراني الغارق.
وكذا اشتغلت موسكو مضيفة للمساعي السابقة سلاحها عبر قاعدة حميميم.
وفي هذا المخاض، كانت اللوحة شديدة الوضوح للمبصر، فحرب لبنان، والاندحار المذل لحزب الله بما رافقه من خراب، كان كفيلاً بأن يجعل الاعمى مبصراً، ومن أسباب الإبصار أن إيران “تبيع حلفائها” وكان أن تخلّت واقعياً عن حزب الله كما عن حماس بعد أن استثمرت في أجسادهم وأرواحهم لتتركهم وحيدين بمواجهة آلة فتّاكة وجيش مدرب، وولايات أمريكية داعمة.
لم يُبصِر الاحتضان العربي، وعمي عن التخلي الإيراني، فكان أن ارتفع منسوب اللعبة الإقليمية لتستثمر تركيا في هزيمة المحور، وتعزز قوات المعارضة العسكرية، بما جعل طريقها سهلاً للاستيلاء على حلب بساعات، ومن ثم الانتقال للاستيلاء على حماه وبساعات أيضاً، وكله ما بعد تراكم طويل من الفرص الضائعة، ربما كان أعلاها شأناً هو الاتجاه نحو التصالح الوطني، والاستثمار في تيارات معارضة تسعى إلى الانتقال السلمي للسلطة، وهو الانتقال المرحّب به عربياً، والمقبول أمريكياً، والذي لن يصادف اعتراضاً روسيا، وكل عقدته تكمن في سياسات طهران التي اتخذت من دمشق مستوطنة لها في مساعيها لتعميم تجربتها القاتمة، وفرض مشروعها على المنطقة برمتها وعبر البوابة السورية، دون أن تدفع تكاليف وأثمان تمددها لافي النمو الاقتصادي، ولا على المستوى المدني / الحضاري / الثقافي، وإنما بالتمدد عبر قوى مادون الدولة.
ونعني بها الميليشيات بتنويعاتها من يمن الحوثي، إلى بغداد الحشد الشعبي، مروراً بفاطميون وزينبيون وسوى هذه الفصائل المضادة لأي سيرورة وطنية مدنية، فأفرغ البلاد من أيّة فرصة لمغادرة العنف نحو تسوية سياسية ممكنة، لم تكن لتتطلب منه مغادرة السلطة، بقدر ما تتطلب منه قبول الشراكة الوطنية في إدارة البلاد، ما يجعل البلاد جزءاً من عالم لم يعد ليقبل بحفنة أن تحكم وتتحكم، ليقفل الباب على نفسه ويرمي بمفاتيح خلاصه باليد الإيرانية التي لا تشتغل على فتح البوابة بقدر ما تشتغل على إقفالها، فكانت الخلاصة أن أقفل الإيرانيون البوابة عليه، ويخسر كل الفرص التي كانت متاحة، ويحصر البلاد أيضاً في انعدام فرص التحوّل السياسي، لتتحول ثانية إلى مساحات للاقتتال، الكل خاسر فيها، وهو الخاسر الأكبر من بين الخاسرين.
هو العناد، وانعدام الرؤيا؟
هو متاهة الاستشاريين الذين لايرون أبعد من أنوفهم، فيما أنوفهم منغرسة في مصالح ضيقة لن تكون سوى استرسالاً في الاستثمار بالفساد دون أيّة هواجس تتصل بالمسألة الوطنية؟
هذه هي النتائج.
بلد ينهار، ولا احد بوسعه التنبؤ نحو أي جحيم سينتقل.