وقد أنتزعت “مسقط” فتيل الحرب

زاوية مينا

يبدو أن “مسقط” قد تحوّلت إلى “كامب ديفيد” العرب من حيث استضافتها للمتخاصمين، بما يجعلها البلد الجاذب لتسويات بين دول ربما كانت تقع على حافة الحرب، وهكذا استضافت المفاوضات الامريكية الإيرانية، وهذا لابد ويعطي مؤشرات تتصل بالبلد المضيف، عناوينها: “مسقط، محايدة، موثوقة، محترفة في العمل الدبلوماسي، واكثر من ذلك منضبطة الأعصاب في العمل الدبلوماسي”.

وهكذا كانت المضيف الأسلم لبلدين إن لم يعثرا عل مساحات مشتركة على مائدة التفاوض، فسيكون مصير المنطقة الاشتعال بما ينسينا حرب الخليج الأولى والثانية، وهكذا كانت المفاوضات بلا مصافحات، وبغرفتين منفصلتين، ما بين طرفين لايثق أيّ منهما بالآخر.

أمريكا تمثل بالنسبة لإيران “الشيطان الأكبر”، فيما إيران تمثل حاضنة الإرهاب بالنسبة للأمريكيين، ولكل منهما قوّته، مع فوارق القوّة الكبير ما بينهما، فأمريكا تعني القوّة العسكرية والاقتصادية الهائلة، قواعدها موزعة على دول الخليج قاطبة، وقراراتها نافذة في هيئة الأمم المتحدة، ولها إسرائيل القوة الضاربة في المنطقة، فيما لإيران أدواتها، وإن تضاءلت، غير أنها ماتزال في العراق واليمن، ولأذرعها ما يكفي من تعطيل الملاحة في خليج هرمز، ما يتيح لها الضغط عبر تهديد الملاحة في أهم الممرات المائية في العالم، دون نسيان تقاربها مع الصين وروسيا.

تفاوت القوتين على اتساعه لم يعق الطرفين على الاشتغال لتجنّب الحرب، ما يرتب على الولايات المتحدة تنازلات من بينها رفع عشرات العقوبات عن طهران من بينها رفع الحظر عن المنتجات النفطية، والافراج عن أصول مالية إيرانية بمليارات الدولارات بعض التقديرات تقدرها بمئة مليار دولار، وكذلك السماح للشركات الغربية بالعودة إلى السوق الإيرانية مثل توتال الفرنسية، وبوينغ الأمريكية، وبعقود مع طهران،

وكذا الاعتراف بالحق الإيراني بتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية بنسبة منخفضة (3.76) وهو تنازل رمزي كبير لإيران لابد يُستتبع بصفقات سرية، ما يفسر أن الإدارة لأمريكية تشتغل على تأجيل المواجهة العسكرية.

وكان دونالد ترامب في ولايته الأولى قد تجنّب الدخول في حروب جديدة، فيما انتقد الغزو الأمريكي للعراق وافغانستان، مفضّلاً الضغط الاقتصادي على التدخل العسكري المباشر، وربما هذا حاله في ولايته الثانية، وها هي مفاوضات مسقط تذهب في الاتجاه نفسه، إدراكاً من طرفيها بأن فشلها، لا يعني توقف المحادثات فقط، بل يهدد بسلسلة من النتائج الخطيرة على المستويين الإقليمي والدولي، فإذا ما انطلقت الشرارة الأولى للحرب، لاشك بأنها ستحمل المزيد من الدمار، وسيكون أشدّه على إيران التي سيلحق بها من الأذى ما يفوق التصور.

فالمعلومات الاستخبارية المتسربة إلى وسائل الإعلام تفيد بأن إسرائيل قد حضرت لضربة استباقية على المنشآت النووية (نطنز، فوردو، أراك) وبدعم لوجستي من القوات الأمريكية في قواعدها بدول الخليج العربي، هذا عداك عن الضربات التي ستطال مراكز البحث والتطوير ومواقع الحرس الثوري ومنظومات الدفاع الجوي وتعطيل أنظمة الاتصال والطاقة، ليُستتبع ذلك بردود إيرانية، ليس من العقلاني الاستخفاف بها والتي لابد ستطال قواعد أمريكية في دول الخليج مثل القواعد في قطر، البحرين، الكويت، بالإضافة لاستهداف محتمل للمنشآت النفطية في هذه الدول.

فإذا ما فشلت المفاوضات فلن يكون ما بعدها (الحرب المستحيلة) بل الحرب المؤكدة، وهذا ما تتلافاه إدارة دونالد ترامب، كما يتلافاه الإيرانيون الذين يدركون بالتمام والكمال، بأنه إذا لم تقتلهم الحرب، فستقتلهم المجاعات التي ستنتج عنها.

حتى اللحظة، كل الكلام يفيد بأن المفاوضات تشتغل على تعطيل أسباب الحرب وصولاً إلى تنازلات من الطرفين، من بينها تنازلات بالغة الأهمية على المستوى الاستراتيجي، ربما من مصلحة الطرفين عدم الإعلان عنها.

Exit mobile version