يامرحبا بالاستعمار.. أو بالإرث الاستعماري.. ذاك ماقالته الطبقة السياسية اللبنانية في استقبالها للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بيروت، وهو ما تهتف به قيادات سورية معارضة وهي ترفع صور رجب طيب أردوغان في مستعمراتها وقد أطلقت عليها “الأراضي المحررة”، ولابأس أن تتعمم الصيغة على الكثير من الدول العربية التي ترجو الاستعمار بأن يعود إليها سواء بالدبابة أو بالبيان، وفي كل الحالات، فليس ثمة مايشير إلى (الاستقلال) في أي من البلدان العربية، وقد حلّت أنظمة مافيوزية مكان استعمارات تقليدية، ما يدفع لإعادة النظر بما يسمى أعياد جلاء، أقله لاستبدال المصطلح ليكون (الإحلال) مكان (الاحتلال)، ونعني بالاحلال هنا، ترك الاستعمارات التقليدية لمهامها ومصالحها، بين أيدي نوابها من أنظمة لم تسع إلى استقلال، ولم توطد سيادة، ولم تشتغل لشعوبها، فيما اشتغلت على:
ـ إفساد مالم يفسد.
ـ وإجهاض مالم يجهض.
ـ وهدر مالم يهدره االاستعمار التقليدي من ثروات.
هذا عداك عن الفظعات االتي ترتكب بحق شعوب، في واقع الحال لم ترتكبها الاستعمارات التقليدية، فسجون أنظمة (الاستقلال)، كانت أكثر عتهًا وقسوة بما لايقاس من أنظمة (“الاحتلال)، ما يعيد النظر بحقيقة رحيل المستعمر، حتى باتت القاعدة االشعبية المتداولة:
ـ بكيت من يوم سأبكي عليه.
والمقصود هنا هو الحنين لاستعمار مادام بديله المافيات.
كلام لايخص لبنان بمفرده، فهو يطال العرب كل العرب، وفي التجربة السورية مثال حيّ، فالواقعية الصادمة / القاسية، تقول بأن جزءًا كبيرًا من السوريين باتوا وملؤهم الحنين إلى الاستعمار، وليس أمرًا يمكن تجاوزه اصطفاف نخبهم أمام بوابات السفارات مستعينين على الداخل بالخارج، لاخيانة للداخل، بل يأسًا من تغييره مع اشتداد منظومات القهر السلطوية، بقبضتها الحديدية وسلاحها الخفيف والثقيل، حتى بات (كحل) الاستعمار أرحم من (عمى) الحكومات.
زيارة ماكرون الى لبنان، وتصرفه باعتباره (أمًا حنوناً) لجزء من اللبنانيين، و(مرشدًا أعلى) لجزء آخر منهم، و (الباب العالي) للجزء الثالث، يحكي وبكل الوضوح مايمكن تسميته بـ :
ـ أهلاً بالاستعمار.
لم لا مادام ورثة الاستعمار أشدّ فتكًا من الاستعمار بشعوبهم؟
الفلاحون يقولونها:
ـ صاحب البستان أرحم من النواطير.
نواطير العرب لم يتركوا للوطنية حتى اسمها.
هذا هو الحال.