حتمًا ليس سعد الحريري ونستون تشرشل، ولا المخلّص لبلد غارق أو موشك على الغرق، ولكنه وارث رفيق الحريري بما له من حضور وعلاقات دولية، بعضها مبني على الثقة، وبعضها مبني على المصالح، وكلاهما الثقة والمصالح مع الدول، تتطلب من طرفيها المرونة، واحترام العلاقات الدولية، وفي صيغة من مثل الصيغة اللبنانية، وفي اللحظة اللبنانية الراهنة، ليس من شخصية بوسعها أن تلعب دورًا كما سعد الحريري ولمجموعة من الأسباب، يأتي على رأسها أنها الشخصية السنيّة الأقوى والممتدة على قاعدة شعبية أوسع.
اللبنانيون اليوم، يعرفون وباليقين، أنه إذا لم تتشكل الوزارة فالبلد غارق، وإذا ما تشكلت فقد يطفو البلد لاليصل شاطئ الأمان، بل لينجو من الموت غرقًا.
سبق وكان حسان دياب رئيسًا لوزراء لبنان.. لم يرتكب الرجل آثامًا تستدعي الشتيمة، غير أنه لم يستطع أن يخرج من عزلته.. عزلته على المستوى السني، وعزلته على المستوى اللبناني، ولم تسجل زيارة سفير واحد لدار حكومته، ما يعني أنه ونواياه الطيبة لم يستطع قيادة لبنان الى الجنة.
سعد الحريري بما عليه من أخطاء، أقلها أنه يستطيب النوم لمدد طويلة حتى لو كانت البلاد تحترق، فله حسنات ربما تتبدى اليوم، ومازال رئيسًا مكلفًا، أي رئيس بلا رئاسة، وما تبدى اليوم أن جولته وفي جزئها الخليجي، وحسب أنباء مؤكدة من مصادر لبنانية على ثقة، أن تحصّل على منحة من أبوظبي هي هبة إماراتية، كناية عن مليون لقاح صيني ضدّ كورونا، وقالت المصادر: “انّ امراً من هذا النوع لا يمكن التعاطي معه بخفة وإن لم يفاتح به الحريري احداً”. ولفتت هذه الاوساط، الى “انّ خطوة من هذا النوع ليست مستبعدة. فللحريري مبادرات كبيرة وله باع فيها على اكثر من مستوى، ولو بقيت علاقاتنا على المستوى الذي كانت فيه قبل انقطاعها مع دول الخليج العربي لأختلفت الامور والمعطيات، ولكان الامر طبييعاً جداً، وهو امر لم يفهمه رعاة الحملة على دول الخليج العربي”.. الحملة التي يقودها حزب الله وسدنته.
المصادر إياها تعتقد بأن الحريري وتبعًا لعلاقته بالرئاسة الفرنسية، وهي علاقة ببعدين، أحدهما شخصي يرتبط بالرئيس ماكرون، وثانيهما موضوعي، ويتعلق بحجم المصالح الفرنسية بلبنان باعتباره نافذة على المتوسط، هذه العلاقة لابد وترتب مكاسب للبنان على طريق انتشاله من أزمته.
الأزمة المالية المرتبظة بالانهيار الاقتصادي وودائع الناس، وأزمته السياسية وقد خلقت من لبنان فسيفساء يقوم على التضاد، وما من جامع ممكن لهذا الفسيفساء سوى مشروع مدني، خارج العقائد الضيقة و (المستقبل) هو التيار الأقرب الى المدنية من بين التيارات اللبنانية أسيرة الطوائف والمذاهب والقبيلة، ونقول الأقرب، ذلك أن الصيغة اللبنانية لاتتسع لعبور الطوائف، غير أنها تتسع للكحل بوصفه أقل مرارة من العماء.
اليوم يتحالف حزب الله وشريكه أمل مع التيار العوني للحيلولة دون وصول الحريري الى تشكيل الوزارة، وتحالفهما هذا ينطلق من حسابات ضيقة على مستوى العونيين الذين يمهدون طريق الرئاسة لجبران باسيل، وبحسابات واسعة من حزب الله الذي يسعى الى التهام الصف المسيحي في لبنان وتمزيقه، وهو ما أفلح به إلى حد بعيد عبر جسر الرئيس ميشال عون، ماجعل مسيحي لبنان أزقة متحاربة متشظية لاتجمعهما كنيسة ولا يوحدهما بطرك، والحرب ما بينهم إن لم تصل الى الرصاص فقد مهدت الطريق اليه، ليفوز حزب الله بالفوضى.. الفوضى التي اشتغل عليها منذ التأسيس بإرشاد من الولي الفقيه الذي عمم الفوضى على مجمل الشرق الأوسط وجعل من لبنان منصة لانطلاقة كل فوضى بدءًا من الاغتيالات السياسية وصولاً لحماية الفساد باعتباره مرضعة الفوضى.
اليوم سعد الحريري أمام مفترق طريق صعب بل بالغ الصعوبة، فأن يشكل وزارة وفق أهواء حزب الله والتيار العوني، فلهذا معنى واحد هو الفشل، وإن اشتغل على تشكيل وزارة (مهمة) فكل الأجواء لاتوحي بأنه سينال ثقة برلمان محتل من قبل ثالوث حزب الله وحركة أمل والتيار العوني، وهاهو الحريري وقد بات مكبّلًا مطلوب منه السباحة في هذا البحر الهائج.
أن يتنحّى فلهذا معنى واحد هو :
ـ التسليم للخراب.
وأن يتقدم، فلهذا معنى واحد:
ـ العمل على الاستحالة.
ما الذي سيتبقى أمام الحريري؟
أمامه أن يقلل من ساعات نومه، وأن يواجه الجمهور اللبناني بالحقيقة، كل الحقيقة، دون اجتزاء وأن ينفتح على الإعلام ليحكي كل المؤجل من الكلام.
إذا مافعل ذلك فقد يكسب الناس.. يكسب حركة الشباب ويكسب الشارع بما فيه الشارع الشيعي، ذاك الذي كان حزام بؤس بيروت، ولم ينتعش يومًا أو يخرج من هذا الحزام.
على الحريري أن ينطق.
أن يقلل من ساعات نومه “فما أطال النوم عمرًا”.