تتكرر معزوفة “إعادة تأهيل النظام”، وفي لغة أخرى “إعادة تعويمه” بعد العجز عن إسقاطه، فمن هذا الذي سيعوّمه؟
هو نظام في موت سريري، لا وسيلة لدفنه، ولا لغة تصح لاعتباره حيّاً، فاللاعبون على المائدة السورية، لم يبقوا للنظام حصة، أية حصة.
القرار فيما يسمى “مناطق النظام” ملك الروس والإيرانيين، وهما على صراع مسكوت عنه، والنظام الذي يتكئ على النظامين “بوتين روسيا وخامنئي إيران”، هو كمن يركب حصانين معًا وبالنتيجة لابد وينفلق، وليس بوسعه اختيار أحدهما إذا ما جدّ الجدّ وآن موعد الاختيار وإن كان سادته يجنحون إلى الخيار الإيراني باعتباره نظامًا أقرب إلى تركيبة النظام السوري من حيث العقيدة والتكوين وكتم الأنفاس، وهذا يدركه الروس جيدًا وثمة قيادات روسية تعرف باليقين أن بقاء هذا النظام لايعدو أن يمثل بالنسبة لها “شرعية” احتلال، تحت راية “مساعدة صديق”، أما الإيرانيون فلم يسبق أن ارتضوا بنصف الكعكة، وليس أمامهم سوى سجن النظام بكليته في غرفة إنعاشهم لاسواهم، وهاهم يؤسسون في سوريا لمصالح تتجاوز “الاستعانة بصديق”، أقله بعد هجومهم العقاري الكاسح وقد ابتدأ بـ “المراقد” وانتهى إلى امتلاك الكاباريهات والأسواق.
هذا عن حلفاء النظام، أما خصومه، فلم يعودوا خصومًا له، ذلك أنه أفرغ مكانه في الخصومة للإيراني والروسي، فالأمريكان يحاربون الروس في الساحل السوري، ويحاربون الإيرانيين على كافة لجبهات، وحين يكون الكلام عن تركيا، فالمعضلة التركية تتلخص بالأكراد، ولابد أنه خلاصهم من المعضلة ستكون ترتيباته مع الأمريكان لا مع النظام.
وإذا ما كانت المنطقة تشهد اليوم، تسويات مع الإسرائيليين، سواء عبر اتفاقيات “إبراهيم” أم ما سيعقبها من تداعيات، فالنظام غير مؤهل لعقد أية تسويات، أقله لأن الإسرائيلي، لن يعقد صفقة مع “غائب”، والنظام في غياب وغيبوبة معًا، وليس لديه ما يمنحه لإسرائيل، حتى ولو بالحد الأدنى المطلوب منه وهو إعاقة حزب الله.
مطلع السبعينيات، فتح الإسرائيليون الطريق لحافظ الأسد للتوسع واحتلال لبنان، وكان ذلك بمقايضة عنوانها “حصار أبو عمار”، ويومها كان النظام متينًا مرتين، مرة بفعل الاستسلام الشعبي لوجوده في دمشق، وثانية بالدعم السوفييتي الذي منحه قوة لاتحدّ، وكان أن قضم حافظ الأسد لبنان وتوسع عبره بدور إقليمي بات مركزيًا، مع النظر بالاعتبار انفتاحه على المجموعة الخليجية وتحديدًا على المملكة العربية السعودية، وكان حافظ الأسد ممسكًا بعصى التوازن بين يديه، فهو قد فتح نصف الباب للأمريكان، ونصف الباب للسوفييت، ونصف الباب المفتوح هو نصف الباب المغلق، ويومها كانت الصيغة الدولية تقبل بأنظمة توليتارية، ذلك أن جدار برلين كان حاميًا لهذا النوع من الأنظمة، فيما وقائع الأيام اللاحقة تقول بأن هذه الأنظمة قد تحوّلت إلى متاحف التاريخ مصحوبة بكل اللعنات، فما يصح مع حافظ الأسد لن يصح مع بشار، مع الأخذ بالاعتبار الفارق الهائل ما بين الشخصيتين، فإذا كان الأول لاعبًا في السيرك الكبير، فالثاني لن يتجاوز مكانة النسناس في اكتشافه أن الموزة تقشّر قبل التهامها، وهو الذي حوّل بلاده ومنذ استلامه السلطة فيها، من دولة البوليس، إلى دولة العصابة، ومن دولة القطاع العام، إلى دولة الرساميل الربوية، ومن دولة “الحزب القائد”، إلى دولة الـ “جي ان اوز” برعاية زوجته السيدة “أسماء” مع إضافة “سيدة اليااسمين”، فوعد الناس بالمجاعة، وبات الفساد وحده الصيغة بعد أن كان الفساد شريكًا فيها.
يحكون عن إعادة تأهيل النظام؟
كما لو أنه كان مؤهلاً وفقد أهليته.
لم يكن مؤهلاً ليعاد تأهيله.
هو الميت الذي يستعصي دفنه اليوم.
هو الميت الذي يستعصي الاعتراف بأنه حيّ.
غرفة الإنعاش صبورة، ولكن “طلق الرحمة” لابد وستكون.
على يد من؟
ـ ذلك هو السؤال.