زاوية مينا
لم يكن دونالد ترامب على علم بأن الجيش الأمريكي يُقسم على الدستور، كل ظنه أن يُقسِم بـ “حياة الرئيس”، قد تكون نكتة أطلقتها كاميلا هاريس، السيّدة الستينية الضاحكة، غير أن الامر لابد ويتجاوز النكتة حين تتبناه صحف مرتفعة الشأن كمجلة “ناشونال إنتريست”، وقد مارست تعليقها بوصف ترامب بـ “الدتكتاتور”، أو بـ “النزعة الدكتاتورية” وربما بـ “المزاج الدكتاتوري”، وهكذا نقلت “ناشونال إنتريست” الكلام التالي:
“ترامب ليس فقط معجبًا بالديكتاتوريين، بل أيضًا يحتقر الجيش الأمريكي الذي يتعهد بالولاء للدستور، وليس لأي رئيس”.
قبل أيام، ظهرت كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس، في مقابلة مع هالي جاكسون على قناة “إن بي سي”، لتتحدث عن مجموعة واسعة من الموضوعات بدءًا من الإجهاض، وحتى الهجرة غير الشرعية.
أنهت هاريس المقابلة بالتركيز على تطرّف ترامب، وكان جوهر انتقادها أنه ليس مجرد مختلّ ولا مهووس، بل مجنون، مشيرة إلى أنه دعا إلى إنهاء دستور الولايات المتحدة، وإلى أن “الشعب الأمريكي أمامه هنا خياران، إما أنه يريد رئيسًا يفهم أن أمريكا يجب أن تقف قوية كزعيم للعالم، أو يريد فردًا يجسده دونالد ترامب الذي يعلن إعجابه بالديكتاتوريين”.
في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، قال جاكوب هايلبرون، رئيس تحريرها، إن ترامب كذلك بالفعل، مشيرًا إلى ما ذكره جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتك”، في مقال جديد، عن أن ترامب ليس فقط معجبًا بالديكتاتوريين، بل أيضًا يحتقر الجيش الأمريكي الذي يتعهد بالولاء للدستور، وليس لأي رئيس.
ويقول غولدبرغ: “ترامب ردَّ غير مصدق عندما قيل له إن أفراد الجيش الأمريكي يقسمون الولاء للدستور وليس للرئيس”.
غولدبرغ وصف دونالد ترامب بـ “الفاشي”، ليس وحده من تبنّى هذا الوصف، فوفق “وكالات” كان هذا حال “مارك أيه ميللي”، رئيس هيئة الأركان الأمريكية سابقًا، الذي استخدم نفس كلمة “فاشي” بل زاد بالقول “فاشي حتى النخاع”، ومن بعدها انضم إلى “الواصفين” السابقين “واصف” جديد هو المؤرخ الشهير روبرت باكستون، المتخصص في حقبة حكومة فيشي الفاشية في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، لكي “يقيّم نوايا ترامب الفاشية”.
فكيف رأى المؤرخ شخصية ترامب الحاضر في اللحظة لا في التاريخ؟ويرى باكستون أن ترامب “يقف على جانب الفاشية” وهو يشير إلى أن شعبية ترامب حاليًا ربما تفوق ما كان يتمتع به هتلر أو موسيليني من شعبية، وأن كلاهما وصل إلى السلطة عبر النخب المحافظة وليس بالانتخاب المباشر.
يقول هايلبرون، الزميل الزائر الكبير لمركز أبحاث أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، إنه يمكن العثور على أفضل نقاش معاصر لأصل إرادة السلطة والقوة لدى المحتالين المعاصرين، أمثال ترامب، في كتاب فرديناند ماونت الأخير “القياصرة الكبار والقياصرة الصغار”.
ويهتم ماونت بإظهار أنه تم فضح فكرة التفسير القديم لحزب الأحرار البريطاني (هويجز) للتاريخ باعتباره مسيرة ثابتة من التقدم مرة أخرى، منذ عام 1989. ويشير إلى أن أفلاطون وميكيافيلي ونيتشه، من بين آخرين، كانوا جميعًا من دعاة الاستبداد.
ويضيف هايلبرون أنه من المشكوك فيه أن يكون ترامب قد قرأ شيئًا للفيلسوف الألماني نيتشه، لكن إحدى زوجاته السابقات قالت إنه كان يحتفظ بنسخة من مجموعة خطب هتلر إلى جانبه.
ويختتم هايلبرون تحليله بالقول إنه “من الصعب تجنّب الإشارة إلى أن هذا الجدل حول نوايا ترامب الفاشية يتعلق أكثر بالطريقة التي يختارها المجتمع المهذب للحديث عن هذه الشخصية المثيرة للصخب. فإذا كنت تعتقد أن ترامب خطر واضح وحالي فأنت تضعه في نفس قائمة بعض أسوأ الشخصيات في القرن العشرين. أما إذا كنت تعتقد أنه المحارب من أجل الحرية الذي يقاتل ليكون صوت الشعب مسموعًا، فأنت تقدم حججًا زائفة لتشتت الانتباه عن ميوله الاستبدادية”.
وأخيرًا، فإن جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب السابقة، قدم أسوأ دفاع عنه عندما قال، في مقابلة مع قناة “سي إن إن” الأمريكية إن ترامب ليس ذكيًا بما يكفي ليكون فاشيًا، مضيفًا أن سلوكه فقط كافٍ لإثارة القلق، لكنه لكي يكون فاشيًا فيجب أن تكون لديه فلسفة، وترامب لا يملك ذلك.