fbpx

جمع الحصى.. مهنة البحث عن لقمة العيش تحت فوهات البنادق

مدينة غزة – خاص مع إشراقة شمس كل صباح يصطحب الأب محمد مسلم اثنين من أبنائه الصغار على عربة يجرها حمار إلى منطقة ‏‏”صوفا” شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يبحثون عن قوت يومهم من خلال جمع الحصى وركام المنازل القديمة في ‏المناطق الحدودية مع إسرائيل ليبيعها ويشتري الطعام لأسرته في نهاية كل يوم.‏ مهنة جمع الحصى والتي لا تعد من المهن المدرجة ضمن قوائم المهن في وزارة العمل، إلا أن الغزيين جعلوها واحدة ‏من المهن المنتشرة في قطاع غزة، وذلك في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق لقطاع غزة منذ 12 عاماً ووصول أعداد ‏العاطلين عن العمل لمستويات قياسية وتحديداً بين فئة الشباب.‏ يقول مسلم لمرصد “مينا”: “أصلى الفجر وأيقظ أطفالي عمر (12 عاماً) وصهيب (9 أعوام) وأجهز ما أحتاجه من ‏بعض الطعام وعتاد للعمل وأصطحبهم إلى المنطقة الحدودية شرق مدينة رفح، نقوم بالبحث عن الحصى في الكثبان ‏الرملية وذلك عبر أداة تسمى “المنخل” والتي نفصل من خلالها الحصى عن الرمال”.‏ مهنة شعبية ويضيف: “المنطقة التي نبحث بها عن الحصى أصبحت مكتظة بالعاطلين عن العمل الذي يقومون بالبحث عن الحصى، ‏وحاولت في مرات عدة أنا وأبنائي الاقتراب أكثر من السلك الحدودي مع إسرائيل للبحث عن الحصى إلا أن الثكنات ‏العسكرية تعاجلنا بالرصاص وقنابل الغاز الذي يطلقه الجنود الإسرائيليين بالقرب منا بهدف إخافتنا وإبعادنا من المنطقة ‏الحدودية”.‏ وأوضح أنهم يضطرون للذهاب للمناطق الحدودية للبحث عن الحصى جراء شح الأحجار والحصى في المناطق ‏الداخلية لقطاع غزة، فالمهنة يعمل بها الآلاف من الأشخاص ما بين كبار في السن ونساء وشباب وأطفال، مشيراً إلى أن ‏المناطق الحدودية ونتيجة لخوف الكثيرين الوصول إليها لجمع الحصى فإن بها كميات كبيرة من ركام المنازل التي ‏دمرتها الطائرات والدبابات الإسرائيلية على مدار سنوات.‏ مسلم يعي أنه قد يفقد حياته أو أحد أطفاله جراء عمله في المناطق الحدودية، قائلاً: “الموت برصاص الاحتلال أهون من ‏الموت جوعاً، وإن مر يوم دون أن أجمع الحصى وأقوم ببيعه مقابل بضع دولارات فإن زوجتي وأبنائي ينامون بدون ‏طعام”.‏ إصابات وإعاقات يتوزع عمال جمع الحصى على 5 مواقع حدودية رئيسية شرق قطاع غزة، وهي مناطق تتواجد بها مصانع الباطون ‏وصناعة الحجارة، والتي تلقي مخلفاتها في مناطق حدودية يقوم عمال الحصى بالتردد عليها لجمع ما يصلح من تلك ‏المخلفات لإعادة تدويره.‏ وقتل الجيش الإسرائيلي خلال السنوات العشر الماضية العديد من الفلسطينيين، وأصاب العشرات من عمال جمع ‏الحصى نتيجة اقترابهم من الحدود الشرقية لقطاع غزة، وبعضهم أصيب بإعاقات دائمة جراء الاصابة بالرصاص الحي، ‏واعتاد الجيش الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقية أوسلو 1993، على اطلاق النار باتجاه أي شخص فلسطيني يقترب من ‏الحدود لمسافة 300 متر.‏ عربات جمع الحصى أصبحت من المشاهد المعتادة والمألوفة لمواطني قطاع غزة، فأصبح من يريد هدم منزل يجد من ‏يهدمه له مقابل أن يحصل الركام الذي يقوم ببيعه لمصانع الحجارة مقابل 120 شيكل (33 دولاراً) للطن الواحد، وبالكاد ‏يستطع العامل الواحد بيع عشرات الكيلو غرامات من الحصى في نهاية يوم عمل شاق مقابل بضع دولارات.‏ النساء ينافسن الرجال ‏ الفقر في غزة لا يميز بين صغير أو كبير رجل أو امرأة، فقد دفعت الحالة البائسة للسكان بالمسنة تمام النجار (58 ‏عاماً) لمزاحمة الشبان والرجال في جمع الحصى من المناطق الشرقية لقطاع غزة، وذلك لتوفير الطعام ومستلزمات ‏المدرسة لأبنائها بعد أن توفي زوجها.‏ تقول النجار لمرصد “مينا”: “أعمل في جمع الحصى منذ 4 سنوات، وذلك بعد أن توفي زوجي ولم أجد معيل لي ‏ولأطفال سوى بعض أحصل عليه من مساعدات عينية من بعض الجمعيات الخيرية، وعملي في مهنة جمع الحصى ‏وركام المنازل، فلدي خمسة أبناء أكبرهم يدرس في السنة الأولى بالجامعة، وبحاجة لمستلزمات ومصاريف يومية ولم ‏أجد أمامي سوى العمل بهذه المهنة بدل أن أقف متسولة أمام أبواب الجمعيات الخيرية أو أبواب المساجد”.‏ ‏ يرافق الفلسطينية النجار أحد أبنائها الذي اضطر لترك المدرسة ليساعد أمه في عملها، وإعالة إخوته، وذلك على الرغم ‏من الإرهاق الكبير الذي يصيبه ووالدته مع نهاية كل يوم يحصلون فيه بأفضل الأحوال على 70 شيكلاً (20 دولاراً) ‏عقب بيع الحصى الذي أخذ سعره بالتراجع جراء زيادة عدد شاحنات مواد البناء التي سمحت إسرائيل بإدخالها.‏ الحصار وشح مواد البناء شح الحصى اللازم لمصانع الباطون أو صناعة الحجارة جراء إغلاق المعابر ورفض إسرائيل إدخال كميات وفيرة من ‏تلك المواد إلى قطاع غزة بتهمة أن حماس تستخدم تلك المواد لبناء الأنفاق، جعل مهنة جمع الحصى تشهد ازدهاراً غير ‏مسبوقاً، وأوجدت مهن أخرى إلى جانبها كالعمل في الكسارات وإعادة فرز الحصى والحراسة.‏ فيما يقوم بعض المهربين بإدخال كميات محدودة من مواد البناء عبر الأنفاق التي بقي القليل منها تعمل على طول الحدود ‏بين قطاع غزة ومصر، وبأسعار مرتفعة، وحديثاً سمحت مصر بإدخال بعض مواد البناء من اسمنت وحديد لقطاع غزة ‏بهدف سد العجز الذي يعاني منه قطاع البناء في غزة.‏ وأظهر تقرير الإحصاء الفلسطيني الصادر بداية عام 2019، أن معدلات الفقر في قطاع غزة وصلت لمستويات غير ‏مسبوقة حيث بلغت نسبة البطالة في الفئة العمرية من 20-35 عاماً قرابة الـ 53 بالمائة، ناهيك عن تقرير صادر عن ‏البنك الدولي والذي أكد أن واحداً من أصل اثنين في قطاع غزة هم تحت خط الفقر.‏ مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى