fbpx

حرب بالوكالة أم حرب عالمية ثالثة يُحضر لها بهدوء؟

في قراءة للمشهد العام على المساحة الجيوسياسية للعالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط يظهر لنا جليا التحضيرات المحمومة لشيء قد يحدث على المدى المتوسط، ولعل أبرز المؤشرات على ذلك التجاذبات السياسية والعسكرية والاستخباراتية بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها التقليديين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى، ويمكن أن نرى التحرشات الإيرانية المباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال استهدافها لإحدى طائرات الأسطول السادس الأمريكي، وافتعال التفجيرات في بعص ناقلات النفط الإماراتية، وأيضاً احتجاز البحرية الإيرانية لسفينة شحن بريطانية، وأخيرا وليس آخر استهداف ايران عبر أحد أذرعها لحقلي نفط آرامكو في السعودية، وهذا يدل وبشكل واضح أن إيران أصبحت الآن جاهزة للمواجهة الكبرى، وتعمل على جر أمريكا وحلفائها لحرب هي من تحدد زمانها ومكانها وأسلوبها، لكن يبدو أن مسعاها فشل على الأقل مؤقتاً نظراً لمعرفة أمريكا للهدف الإيراني، ولسبب آخر مهم جداً يتعلق بعدم جهوزية القوات الأمريكية في المنطقة لشن حرب شاملة والتي تحتاج إلى حشود كبير من العتاد والعدة والمقاتلين من مختلف صنوف القوات المسلحة الأمريكية البحرية والجوية والبرية، وهذا لم يستكمل حتى الأن قياساً إلى الحشود التي دفعت بها أمريكا في حربها على العراق عام 2003م والتي احتاجت فيها إلى حوالي 500 ألف مقاتل وحشد ثلاث أساطيل في المتوسط والخليج العربي ومضيق هرمز، ناهيك عن الكثير من القواعد العسكرية في دول الخليج أهمها في السعودية وقطر والبحرين، خاصة أن أمريكا تنطلق في استراتيجيتها العسكرية العامة عند القتال خارج أراضيها على مبدأ التفوق الجوي والبحري خاصة، وهذه الحشود لم تصل إلى حجم القوات التي هاجمت العراق هذا البلد الصغير جغرافيا قياساً لجغرافية إيران وأيضاً للفارق الشاسع بين حجم الإمكانيات القتالية لجيش العراق آنذاك وحجم الإمكانيات القتالية للقوات الإيرانية وخاصة الصاروخية والبحرية ناهيك عن تمدد ايران في ثلاث دول عربية العراق وسوريا ولبنان واليمن وقدرتها على التأثير المباشر على المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الشاسعة وهذا عامل آخر اشد خطورة على من يريد مهاجمة ايران وهذا يصب في مصلحة ايران نظراً لاتساع أرض المعركة وقرب مسرح العمليات من الكيان الصهيوني وهذا يستدعي أن تكون القوات الأمريكية وحلفائها على أهبة الاستعداد والجاهزية العالية والإمكانيات القتالية الاستثنائية لمنع ايران من تنفيذ أي أعمال انتقامية عسكرية أو استخباراتية ضد قواتها أو ضد قوات حلفائها، وهذا يتطلب تواجد ثلاث أضعاف القوة التي غزت العراق في منطقة العمليات وهذا ما نشاهده من خلال تحركات الأسطول السادس والسابع والرابع وتحشدهم في شرق المتوسط والخليج العربي وبحر قزوين، وكما تحتاج إلى التحضير الجيد للحرب المرتقبة وهذه التحضيرات بدأت تظهر بشكل واضح من خلال قيام أميركا بتجهيز قاعدة الأمير سلطان الجوية شرق العاصمة السعودية الرياض لاستقبال بطاريات صواريخ باتريوت وتأمين مهابط لطائرات “إف 22″، مع إن هذا بدا وكأنه رداً على تزويد روسيا لتركيا بمنظومة الصواريخ S400، ويمكن أن نرى في هذه الخطوة من جانب تركيا الإمعان في الابتعاد خطوة عن المحور الأمريكي الغربي وبالتالي حلف الناتو، وأعتقد أن هذه الخطوة ستكون بداية الفراق خاصة أن تركيا الآن ووفق سياساتها الواضحة قريبة من روسيا وايران أكثر بكثير من قربها من حلفائها في أكبر منظومة دفاعية في العالم وهذا قد يؤدي إلى ذهاب تركيا بعيداً باتجاه المحور الإيراني الروسي الصيني، وهو المحور الذي يمكن أن يواجه المحور الغربي المتمثل في أمريكا وحلفائها من الأوربيين والعرب في أي حرب قادمة.


كل هذه التحضيرات والاستعدادات المحمومة يمكن أن لا تؤدي إلى حرب شاملة كما هو متوقع إلا بعد أن تقوم أمريكا وروسيا في دفع أهم حلفائهما في المنطقة المملكة العربية السعودية وايران للقيام في حرب بالوكالة وفي حال فشلت السعودية في الانتصار على إيران يمكن أن تتدخل أمريكا وحلفائها وخاصة إسرائيل وقد يقول متابع أن إسرائيل هي الآن تتدخل وتقصف أهداف إيرانية ضمن الأراضي السورية واللبنانية والعراقية وهذا صحيح لكن الهدف من هذه الضربات هو تقليم أظافر إيران وميليشياتها في سوريا من خلال منع وصول الأسلحة والذخائر المتطورة إلى حزب الله في لبنان وأيضا بهدف تدمير مراكز التصنيع والتطوير الصاروخي والعتاد الجوي على الأراضي السورية واللبنانية والعراقية، وهذا بمجمله يسمى ضربات وقائية وتختلف جذريا عن الحرب المعلنة والتي تهدف إلى اجتثاث إيران من سوريا ولبنان والعراق خاصة بالمناطق القريبة من الجولان المحتل وجنوب لبنان، وهذا سيدفع إسرائيل إلى الاشتراك في الحرب القادمة بكل قوتها ويمكن أن تتغلغل في عمق الجنوب السوري وصولاً إلى مشارف ريف دمشق الجنوبي الغربي ومحافظة درعا والسويداء.


من خلال هذا كله يمكن أن نقول بأن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة كبيرة جداً نظراً للحجم الكبير للأدوار التي لعبتها إيران وحلفائها في المنطقة وكان الهدف منها تفتيت المنطقة وجعلها مسرح للتجاذبات والصراعات الطائفية والإثنية والعرقية، وحققت دولة الملالي ما طُلب منها من خلال الضوء الأخضر الأمريكي، وسادت الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والتي خدمت من خلالها مصالح الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي إسرائيل المنتصر الأكبر من هذه الأحداث التي عصفت بالمنطقة منذ بداية ثورات الربيع العربي، ولأن الهدف الأمريكي تحقق وعلى إيران أن تعود إلى موقعها وحجمها الطبيعي وهذا ما ترفضه ايران وهي التي حققت هدفها الاستراتيجي وهو تصدير الثورة الخمينية إلى خارج إيران، وهذا أهم حلم من أحلامها وقد حققته برضى أسيادها الأمريكان ومن خلال التغلغل والسيطرة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً تمهيداً للسيطرة عقدياً على منطقة الهلال الشيعي كما يطلقون عليه الممتد من إيران إلى العراق وصولاً إلى سوريا ولبنان واليمن، وأعتقد جازماً بأن إيران المتغطرسة لن ترضخ للضغوطات وتنسحب من هذه المناطق إلا بالقوة لأنها دفعت الغالي والنفيس لتحقيق ما وصلت إليه الآن ولن تستطيع السعودية ومن معها من العرب وإسرائيل طرد إيران من المناطق التي سيطرت عليها، وهذا سيكون بوابة الحرب العالمية الثالثة التي لن تكون تقليدية بالمطلق وسنرى أسلحة فتاكة جديدة قد تُغير وجه المنطقة والعالم إلى الأبد.

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى