fbpx

ظاهرة تعدد الزوجات في سوريا بين مؤيد ومعارض لها

تقرير: لوحدة الرصد والمتابعة تعود ظاهرة تعدد الزوجات في البلدان العربية، إلى أزمان بعيدة من التاريخ العربي، فحتى قبيل الرسالة الإسلامية، كانت ضمن الموروث الشعبي، والعرف القبلي، ويختص بها سادات القوم وعليتهم. وكانت تخبو في مراحل معينة لتعود وتنمو في مراحل أخرى تبعاً للحالة الاقتصادية، والتطور الفكري الذي يعم هذه المنطقة أو تلك. ومع التطور العلمي الذي شهده القرن العشرين، تراجعت هذه الظاهرة، حتى باتت في عرف المستهجن والناقد، لدى كثير من المدافعين عن حقوق المرأة وغيرهم، لكنها اليوم تعود لتطفو على السطح في سوريا، وبخاصة في مناطق النزاع التي تخضع لسيطرة المعارضة في أغلبها. أصبحت أمراً شبه اعتيادي، وحدثاً مألوفاً لا يسترعي انتباه بعضهم حتى، ويرجع ذلك النمو والتزايد في حجم هذه الظاهرة إلى أسباب عدة بينتها فاتن السويد، الاختصاصية الاجتماعية بالقول: “تزايدت نسبة الزواج المتكرر مؤخراً لأسباب منها، زيادة نسبة الأرامل والمطلقات بفعل الحرب، الثراء المادي والمفاجئ لدى كثيرين اليوم، الزواج المبكر، وبعد نضج الزوج يرى أنه اختار زوجة لا توافقه أو ليست كما يحب، كذلك صغر سن الفتيات وعدم قدرتهن على فهم متطلبات الزوج والواجبات الزوجية وعدم النضج الاجتماعي، انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في التعرف إلى مجتمعات أخرى، وسهلت التواصل بين الناس”. ولا يتفق الجميع على تأييد فكرة تعدد الزوجات، فمنهم من يراها عبئاً يثقل كاهل الرجل المنهك أصلاً، أعرب عن ذلك أسعد الحاج علي -(٣٢) عاماً- بقوله: “الزواج الثاني يعني مصروفاً جديداً، وتكاليف إضافية، أنا غير مستعد لها، وحتى لو كنت مستعداً فلن أفكر بالزواج بأخرى، فهو ليس ضمن أولوياتي”. في حين خالفه أبو صبحي الرأي، وهو المتزوج من أربعة نساء، فقال: “التعدد لحكمة إلهية، وهي تقليص عدد الأرامل والعوانس في المجتمع، لهذا حلل الشرع الإسلامي للرجل الزواج بأربعة، لكن بشرط امتلاك الرجل الكفاية المادية أولاً”. ويضيف قائلاً: “أنا اليوم لست نادماً البتة على زيجاتي، وأبحث عن زوجة جديدة بعد تطليقي إحدى زوجاتي السابقات”. أبو ممدوح من حزانو، يتفق مع أبي صبحي من حيث المبدأ لكنه يخالفه من حيث الشرط المادي إذ يقول: “ما دفعني إلى الزواج بأخرى عدم اكتفائي بامرأة واحدة، وفي رأيي لا يوجد تأثير بالنسبة إلى الأمور المادية أبداً، وأنا لست نادماً على زواجي، بل العكس تماما أنا سعيد جداً وأتمنى أن أتزوج بثالثه”. أبو نادر الدوماني، مهجر من الغوطة الشرقية يقول: “بات التعدد واجباً في رأيي، فعدد الأرامل ازداد بفعل الحرب، والبلد بحاجة إلى شباب يحمل السلاح ويدافع عنها، وتعويض النقص الحاصل في عدد الرجال”. وقد كان للحرب دور رئيس في المساهمة في تقليل عدد الرجال، بحكم كونهم يذهبون إلى المعارك، ويموت منهم كثيرون، تاركين وراءهم يتامى وأرامل، يقاسين الأمرين في سبيل إعالة أطفالهن، ما يدفع بعضهن إلى القبول بفكرة الزواج من رجل متزوج. ابتهاج أم حسن، أرملة وأم لأربعة أطفال تقول: “بعد استشهاد زوجي في إحدى المعارك، رحت أبحث عن عمل شريف يؤمن قوت عيالي، فلم أجد، وضاقت بنا الحال، لهذا وافقت على زوجي الحالي، بعد أن ضمن لي بقاء أولادي معي”. درجت عادة جديدة أخرى وهي تزويج الأرملة بأخ الزوج المتوفي، بذريعة المحافظة على الأولاد وتربيتهم في كنف أب يرعاهم، عن هذا تقول أم أحمد من جبل الزاوية،: “بعد ما توفي زوجي كان وضع أهلي لا يسمح بالعيش معهم؛ لصغر المنزل من جهة وضيق ذات اليد من جهة أخرى، خطبني أهل زوجي لأخ زوجي المتوفى ليبقى الأطفال قريبين منهم، وأنا قبلت من أجل أولادي كي أستطيع متابعة تربيتهم”. حسين الأحمد يعارض من يقول إنه تزوج من أجل تطبيق شرع الله، وإنما هي رغبة منه وجعل العذر الشرعي حجة له، يقول الأحمد: “كلما سألنا أحداً عن زواجه الثاني أو الثالث، أجاب أطبق أمر الشرع، لكني أرى أن القضية ليست أمراً، بل هي محض إذن بجواز التعدد وليست فرضاً”. وعن رأي الشرع الإسلامي في قضية التعدد هل هي فرض وواجب على المسلم، أم لا، بين ذلك الشيخ فضل العكل بقوله: “الأصل في الشريعة الإسلامية أن حكم التعدد في الزوجات هو /الإباحة/ ولم يرد في كتاب أو سنة ما يخرج هذا الحكم عن الإباحة أو يغيره. قال تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ. (النساء: 3). وهذه إباحة لتعدد الزوجات سواء لحاجة أم لغير حاجة، بعذر أم بغير عذر”. وأردف العكل موضحاً: “هذا التعدد مشروط بالعدل. يجب على مريد التعدد أن يعلم من نفسه القدرة على العدل بين زوجاته، وإذا فقد هذه القدرة ينبغي الاقتصار على زوجة واحدة، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً. (النساء: 3). وأما العدل في المحبة فهو غير مكلف ولا مطالب به”. وكون الواقع السوري اليوم استثنائي ففي رأي العكل أن التعدد قد يرقى من درجة المباح إلى درجة المطلوب في الحالات الاستثنائية مثل حالة أهل سوريا حيث قتل من الرجال والشباب أعداد هائلة وتركوا وراءهم أرامل كثر. ما أثر أيضاً في البنات الأبكار، وهو ما قد يؤدي مع الزمن إلى كثرة الفواحش بسبب العنوسة. بحسب رأيه. ويختم العكل بالقول: “بما أن الشريعة تتطلع إلى حفظ الأعراض والأنساب فإنه من المطلوب اليوم أن يعدد الرجل القادر على التعدد. لكن أن يعلم أيضاً أنه بزواجه الثاني والثالث لن يؤذي عائلته الأولى. فالقاعدة تقول الضرر لا يُزال بمثله”. بين وجود من يرى في الزواج حقاً مكتسبا للرجل، ومن يجده ضرورة أفرزتها الحالة السورية اليوم، وآخر معارض لفكرة الزواج الثاني مطلقاً، تظل النساء الشريحة الأضعف، يخضعن لأحوال لا يد لهن فيها، وقد ينتج منها آثار نفسية واجتماعية تطال تلك السيدة وبخاصة من تزوج زوجها بأخرى، عن تلك الآثار قالت فاتن السويد الاختصاصية الاجتماعية: “نعم توجد نساء معذبات نفسياً بسبب الزواج الثاني وهناك آثار عدة تطال الزوجة الأولى منها ما هو نفسي كالحزن، الغضب، البكاء، الخوف، القلق، الإحساس بالذنب ولوم الذات، الخجل، عدم الثقة بالنفس. ومنها الآثار الاجتماعية كالوصمة الاجتماعية من الناس، العزلة، الإحساس بعدم المساواة مع الآخرين”. ستبقى ظاهرة التعدد منتشرة ما دام الواقع السوري على حاله اليوم، وقد تشهد الأيام المقبلة تراجعاً على صعيد الزيجات المتعددة، في ما لو تبدل واقع الحال في سوريا، وتحسن الوضع الاقتصادي ونعم الشعب السوري بالاستقرار، وألقت الحرب أوزارها. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” قوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى