fbpx

العقوبات الموجعة هل تُسقط الاستبداد؟

بدأ تطبيق العقوبات الأمريكية على ” الحرس الثوري ” الإيراني، وهذا يعني بدء مفاعيل هذه العقوبات على عدة صُعد. بعضها يتعلق بالأوضاع الداخلية في إيران، وبعضها الآخر يتعدى أثره الحدود الإيرانية، ليصل إلى المناطق الإقليمية، التي ينشط فيها هذا الحرس. وتحديداً في مناطق الصراع الحالية ( اليمن – سوريا – لبنان – العراق ). تطبيق العقوبات الأمريكية على الحرس الثوري الإيراني، هو حرب اقتصادية مالية، مهمتها تجفيف قدراته. إذ أنّ هناك ما يربو على مئتين وتسع وعشرين شركة إيرانية، تعمل تحت تأثير الحرس الثوري، وبما يخدم أجنداته السياسية والعسكرية والدعوية في دول الإقليم. إضافةً إلى الداخل الإيراني. ووفق وكالة أنباء” بلومبيرغ الأمريكية ” فإنّ الحرس الثوري الإيراني يتحكم بنسبة 20 – 40% من الاقتصاد الإيراني. حزمة العقوبات الأمريكية في عهد ترامب أدّت إلى خفض صادرات النفط الإيرانية بنحو 50%، حيث بلغ انتاج إيران من النفط الخام في شباط الماضي نحو مليون وربع المليون برميل من النفط يومياً. مما زاد في حينها من نسبة التضخم في البلاد إذ زادت هذه النسبة عن 47%. وهو يعني تقلص حجم الأموال التي ستحصل عليها إيران، مما ينعكس على قدرتها في تمويل نشاطاتها العسكرية والسياسية والدعوية في دول الإقليم، وتحديداً في سوريا ولبنان. حزمة العقوبات الأمريكية على إيران وجدت فرصةً لها في منع وصول شحنات النفط الإيراني إلى النظام السوري، إذ يقف الأسطول العسكري الأمريكي قبالة السواحل السورية، وفي عرض البحر الأبيض المتوسط، مانعاً وصول أية شحناتٍ نفطيةٍ، أو مشتقات بترولية إلى الموانئ أو الشواطئ السورية. يترافق هذا الحصار مع قرب تطبيق قانون سيزر الذي يفرض عقوبات على من يتعامل مع النظام السوري بسبب جرائمه ضد مواطنيه المدنيين. هذه الحالة بدأت تنعكس على صورة أزمات حقيقية ملموسة في المناطق التي تخضع لإدارة النظام الأسدي. وظهرت هذه الأزمات على صورة اختناقات حيويةٍ في مجال الحياة اليومية، فالطاقة عموماً، سواءً كانت طاقةً كهربائية، أو كانت مواداً بترولية تستخدم في النقل والتدفئة والخدمات المنزلية، بدا وكأن توفرها بدأ بالتناقص شيئاً فشيئاً. ولذلك تجد أن الحاضنة الشعبية للنظام، بدأت بالتذمر، ورفع الصوت، وهي التي قلما تأثرت في سنوات الصراع الأولى بالأزمات اليومية. لا بل وصل الأمر إلى حدود طرح الأسئلة المشروعة علناً، عن كيفية إدارة حكومة النظام السوري لهذه الأزمات المستفحلة، والمتزايدة يوماً بعد يوم؟ وهل بمقدورها في ظلّ الحصار الأمريكي أن تنهي هذه الأزمات؟. إنّ انتقال التذمر إلى عمق الحاضنة الشعبية للنظام السوري، وانسداد الأفق السياسي لحلٍ قريب، أعاد فعلياً ترتيب أولويات هذه الحاضنة، التي دفعت تضحياتٍ جساماً من أبنائها، ومن لقمة عيشها، اعتقاداً منها أنها تقف ضدّ ما يروجه النظام تحت مسمى ” مكافحة الإرهاب “. وهذا يعني بدء تفكّك هذه الحاضنة، وبروز اتجاهاتٍ جديدة، وقد تكون مختلفة الرؤية والمصالح. إنّ توقف الحياة اليومية بسبب انعدام أو قلّة توفر مواد الطاقة الضرورية، أشاع داخل الحاضنة، أنّ حكومة النظام تريد التملص من دعمها لهذه المواد الهامة، بما فيها دعمها لمادة الخبز. كذلك فإن نسبة من هم تحت خطّ الفقر هو نسبة هائلة، تجاوزت الثمانين بالمائة من عدد السكان في المناطق الخاضعة لإدارة النظام الأسدي. بدء تفكك هذه الحاضنة المترافق مع تصدعات بنيتها الداخلية بسبب الانقسام في الولاءات بين مشروعين اثنين، أحدهما مشروع إيراني يريد الهيمنة على البلاد من خلال السيطرة على الاقتصاد، وعبر تعميم التشيّع. والثاني هو المشروع الروسي الذي يبحث عن مصالح روسيا السياسية والاقتصادية، التي هي أساساً جزءٌ من استراتيجية روسية، إضافة إلى استخدام ورقة الصراع السوري في مواجهات روسيا الدولية، وتحديداً ما يتعلق منها بالعقوبات الأمريكية والأوربية المفروضة عليه. هذا التفكّك في بنية النظام السوري، وفي بنية حاضنته، بدأ يأخذ أشكالاً من صراعات غير معلنةٍ بشكلٍ واضح. وتحديداً يمكن القول أن عبء الدفاع عن النظام من قبل الروس، قد بلغ حداً لا يمكنهم فيه تحمله، سواء على الصعيد السياسي، أو على الصعيد الاقتصادي. وهذا ما دفع بالروس إلى البحث عن نقاط تلاقٍ مع الأمريكيين والأوربيين بخصوص إيجاد آلية حلٍ سياسي للصراع السوري، حتى لو كان الثمن هو رحيل الأسد وطغمته الحاكمة عن سدّة الحكم في البلاد. وقد ظهر هذا الموقف الروسي من خلال تراجعهم عن فرض صيغة التمثيل الخاصة بثلث المجتمع المدني لجنة صياغة الدستور الذي تشكّله الأمم المتحدة. الروس ذهبوا إلى الموافقة على حقّ الأمم المتحدة بتشكيل هذا الثلث بما يخدم تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أواخر عام 2015. وفق هذه المعطيات الملموسة، وتفاقم الأزمات الخانقة في بنية الحاضنة الشعبية للنظام الأسدي، يمكن القول أنّ عتبةً جديدةً من الصراع الداخلي ضمن بنية النظام قد بدأت بالتشكلّ، وقد تأخذ صورة صراعات مسلحةً، كما جرى بين فصيل ” النمر الروسي ” سهيل الحسن وبين الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد. هذه الصراعات ستتفاقم مع تفاقم سوء الأوضاع المعاشية والاقتصادية في البلاد، والتي تنعكس سلباً على حياة ومصالح الحاضنة الشعبية لنظام الأسد. مما دفعها ويدفعها إلى المجاهرة علناً بضرورة انتقال البلاد إلى مرحلةٍ جديدة، تُلغي حالة الحصار الأمريكي، وتوقف حالة الفلتان الأمني. وهذا لا يمكن فهمه سوى أنه بداية سقوط وشيكٍ لبنية نظامٍ استبدادي، سيقول الناس أن سلاح العقوبات الأمريكية عليه وعلى حليفه الحرس الثوري الإيراني قد أتت أُكلها. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى