fbpx

إمبراطورية حماس في غزة

لم يحدث الانقسام الفلسطيني عام 2007 ولكنه حدث من الناحية العملية منذ دخول التيار الإسلامي الفلسطيني إلى ساحة العمل السياسي الذي وجد حاضنة فلسطينية وعربية، نتيجة تأثيرات المشهد الأفغاني في عموم المنطقة العربية في عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ بدأت فكرة إحياء الدور الإسلامي تغزو العقول من جديد، وبما أن حركة الإخوان المسلمين كانت منظمة جاهزة على الأرض، فقد جاءت هناك فكرة تكوين حركة حماس، لكي تكون بديلاً في فلسطين أولاً، وبما أن القضية الفلسطينية كانت آنذاك هي القضية المركزية للعرب (في وسائل الإعلام المحلية) فإن استثمارها من قبل حركة الإخوان كان مهماً للغاية، وهو ما دفع هذه الحركة إلى الصدارة في وقت قياسي، خصوصاً مع بروز الإعلام الرقمي، حيث لعبة الصورة التلفزيونية دوراً مهماً في تشكيل حركة حماس في فلسطين.

  • الصورة من الخارج

كما ساهمت الصورة في صناعة حركة حماس في الداخل، فقد ساهمت في رسم ملامحها في الخارج، حيث باتت معروفة في العالمين العربي والإسلامي، بأنها تلك المنظمة ذات المبادئ الثابتة التي تسعى لتحرير فلسطين، واستعادة المسجد الأقصى للمسلمين. ومن ثم فقد نجحت (وسائل إعلام الإخوان المسلمين،) في تغيير صورة الوعي داخل فلسطين وخارجها، ما أدى إلى انتشار حالة واسعة من القبول لهذا التيار الإسلامي. خصوصاً في حقبة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبروز العمليات الانتحارية التي كانت تلاقي رواجاً في تلك المدّة، بسبب تأييد علماء مسلمين كبار لها. هناك تماماً ارتسمت في الوعي الشعبي العربي صورة ذلك البطل الإسلامي الفلسطيني القادم لتغيير المعادلات السياسية الكاملة في المنطقة، وخصوصاً مع بروز إيران بوصفها دولة حملت راية الإسلام، فكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تعاطف عربي مع حركة حماس، لأن العرب وجدوا فيها (الإسلام السنّي) الثوري، بحسب ما كان رائجاً في تلك المرحلة.

  • الصورة من الداخل

عندما تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 من خلال الجامعة العربية، جاءت لكي تكون مؤسسة شاملة، لها نظامها الكامل، بما في ذلك جيشها الخاص الذي عرف آنذاك بجيش التحرير الفلسطيني. وعندما أراد (الإخوان المسلمين) صناعة حركة حماس، أرادوها مجموعة كاملة من المؤسسات بحيث تتمكن خلال مدّة وجيزة في الإمساك بالمفاصل العامة للشعب الفلسطيني، وبذلك تستطيع أن تفرض نفسها بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما يعني أن حركة حماس منذ البدء، كانت مهمتها الأساسية إعادة تكوين المشهد الداخلي الفلسطيني وفق عقلية الإخوان، لذلك عندما أتيحت لحركة حماس الفرصة، استولت على غزة، وهو استيلاء لم يكن بمحض المصادفة.

  • نظام شامل

مع استيلاء حماس على غزة، كانت الفكرة الأساسية في تشكيل منظومة اقتصادية اجتماعية تابعة لحركة الإخوان المسلمين العالمية، ومن خلال ذلك عملت الآتي:

  • التجارة

أحكمت السيطرة على النظام المالي، وأمسكت بالذراع المالي في غزة، والمتمثل في (بنك الإنتاج، والبنك الوطني الإسلامي) وهذه البنوك فقط هي التي سمحت حماس بترخيص العمل لها، لأنها من البنوك التي تحمل ودائع مهمة لحركة الإخوان المسلمين. وقامت بالسيطرة بشكل كامل على شركات الصرافة، وهي الشركات التي تستطيع جلب التحويلات المالية الصغيرة، والتحويلات المالية التي تأتي من خلال الجمعيات الخيرية لدعم مشروعات محددة، حيث تستولي الحركة -عبر طرائق عدة- على نسبة من تلك التحويلات. واستولت على الشركات التجارية الكبرى في غزة التي تجلب البضائع، ومن ثم أصبحت المنافسة غير عادلة بين تجار غزة، خصوصاً عندما تقوم شركات حماس ببيع البضاعة بمبالغ قد تصل إلى التكلفة، لأن الهدف لا يكون تجارياً ولكن، لأن حماس تريد تحويل هذه البضاعة إلى سيولة، ومن خلال لعبة (التسييل) للبضاعة، يتحول السوق إلى محض لعبة، لا تخضع لمنطق الاقتصاد. ساهمت حماس أيضاً في توظيف قطاع من شبابها في الشركات التي تعمل عن بُعد، وهي شركات في دول أخرى، وتحتاج إلى مبرمجين وبعض خدمات الكمبيوتر، وهذه الشركات غالباً مملوكة في الخارج للإخوان المسلمين وتبحث عن عاملين بأجور رخيصة، وهو ما يتوفر في غزة، لذلك تستثمر حماس تحويلاتهم من الخارج لاستجلاب السيولة. ثم تأتي ظاهرة السيطرة على أكبر المراكز التجارية التي تبيع بالتجزئة، وتوفر سيولة لحركة حماس من جانب، وتعمل بمنزلة جالب للأموال الإخوانية من الخارج، مثل (مول الأندلسية)، إضافة إلى المنتجعات مثل منتجع النور، ومنتجع الهدى، وهي مملوكة لوزير الداخلية الحمساوي السابق فتحي حماد.

  • الزراعة

ثم نأتي إلى المشروعات الزراعية، فهناك أراضي حصلت عليها حماس بعد مغادرة المستوطنين، وهناك ممتلكات لعائلات فلسطينية في الشتات ولم تتمكن من العودة إلى غزة، أو فقدت وثائق الملكية للأراضي التي تملكها بفعل الحروب، وهذه كلها باتت مراكز إنتاج زراعي، استولت عليها حماس، وتعمل على استثمارها بما يجلب الفائدة للحركة وليس لعامة الشعب، ومثال ذلك أنها تمنع استيراد المنتجات الزراعية من الخارج، حتى ينتهي محصول هذه الأراضي التابعة لحماس، وعادة ما يباع هذا المحصول بسعر مرتفع ويشمل الحمضيات وغيرها بحسب المواسم الزراعية، وعند انتهاء محصول (محميات حماس) الزراعية تسمح الحركة باستيراد المحصول من الخارج، وعادة ما تكون الأسعار الآتية من الخارج هي أقل بما يعادل النصف من أسعار محصول محميات حماس، ما يعني أن الانسان الفلسطيني في غزة يجري استغلاله بشكل بشع من قبل هذه المحميات الزراعية.

  • متفرقات

المطاعم الكبيرة، وصالات الأفراح، وبعض شركات استيراد السيارات، هذه كلها مؤسسات تابعة أو تحت السيطرة الحمساوية، إضافة إلى شركات البناء، وبالأخص (شركة الملش للمقاولات) وهي شركة مقاولات كبيرة مملوكة لأنسباء إسماعيل هنية، كذلك شركة الأمين، المملوكة لوزير الاقتصاد السابق في حكومة حماس.

  • الذراع الاجتماعي

سيطرت حماس على أغلب دور الأيتام، وذلك من أجل استغلالها في جلب التبرعات إلى الحركة، مثل جمعية مبرة الرحمة، وجمعية معهد الأمل، حيث تجلب التبرعات باسم الأيتام، لكنها لا تنفق عليهم الأرقام ذاتها التي تأتي، حيث لا رقابة إلا رقابة حماس. السيطرة على التعليم الذي يبدأ من رياض الأطفال والمدارس الخاصة، مثل مدارس جمعية الصلاح وجمعية الأرقم، وهي مؤسسات حمساوية تعمل على (أسلمة الأطفال) منذ البداية، بحيث يكونون محض أدوات مستقبلية تحركهم حماس كما تريد، وهو ما يحدث الآن بالفعل، فمع نهاية 11عاماً من سيطرة حماس على غزة، بات هناك جيل من الشباب، لا يعرف من الدنيا سوى الولاء للحركة. بعد المدارس هناك الجامعات، مثل الجامعة الإسلامية، وكلية الزيتونة، وغيرها، وهي جامعات تحصل على منح خاصة كنوع من التبرعات، ولكنها لا تنفقها على الطلبة، وقد شهدت غزة قبل سنوات عدة فضائح عديدة تناولت الجامعة الإسلامية تحديداً، سواء من خلال التلاعب بأموال التبرعات الآتية، أم من خلال التلاعب بسلم الوظائف في الجامعة.

  • المساجد

بذلت حماس جهداً كبيراً للسيطرة على المساجد، وخاضت المعركة أحياناً بالرصاص، حيث كادت تقع مواجهة مسلحة بين حماس والجهاد الإسلامي وهو ما تنازلت عنه الجهاد الإسلامي فعلاً بعد مقتل أحد أفرادها، وبذلك عملياً باتت المساجد ومن خلال مراكز تحفيظ القرآن الكريم محض وسيلة لبناء جيل كامل وأسلمته بحيث يكون هذا الجيل من حيث العقلية والفكر محض جيل إخواني لا غير.

  • خاتمة

الخلاف الأخير بين حماس والسلطة الفلسطينية وقيام السلطة الفلسطينية بسحب موظفيها في المعبر، هو قائم على مجمل ما يحدث في غزة، حيث تريد حماس بقاء دولتها كما هي، وتريد فقط إدارة شكلية للسلطة الفلسطينية على مؤسسات غزة. تبقى هناك كلمة، وهي أن تلك المؤسسات والشركات التي تديرها حماس تعمل بالدرجة الأولى على توظيف العنصر الحمساوي على حساب بقية الفلسطينيين، من هنا فإن قائمة الفقراء والجوعى في غزة، هي تلك القائمة التي لا تجد عملاً لها داخل مؤسسات حماس أو شركاتها، وبالمقابل فهي التي تدفع تكاليف الحياة الصعبة من أموالها داخل مؤسسات حماس. نعم صحيح أن حماس تجلب الأموال إلى غزة، لكنها تجلبها لـ حماس فقط، وليس لهؤلاء المسحوقين. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى