fbpx

لعنة حزب البعث

هناك لعنة ما، تصيب وسطاً ما، لتنتقل عدواها بمرور الزمن فتصيب مَنْ كان ينتقدها ويشكو منها ومن تداعيتها. من هذه اللعنات لعنة حزب البعث العربي الاشتراكي التي أصيبت بها أحزاب المعارضة السورية عندما أتيحت لها الفرصة كي تدفن هذه اللعنة، ولكن هيهات هيهات، فما كنا نعيبه على تفرد حزب البعث وتسلطه على الدولة والأحزاب الأخرى؛ عدنا القهقرى ومارسناه شبراً بشبر وذراع بذراع.

  • لعنة حزب البعث

بعد سيطرة الأسد الأب على حزب البعث إبان الحركة التصحيحية؛ أفرغه من محتواه وجعله خادماً لاستبداده وشهوته للسلطة والحكم؛ ثم أنشأ ما يسمى بالجبهة الوطنية الديمقراطية، وجعل منها تجميلاً يمارس حزب البعث من خلالها تسلطه على مفاصل قرارات الدولة وسياستها، لكنه لم يكن يتخذ قراراً مهماً إلا إذا جمع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية؛ ومرَّر القرار الذي يرغب به من خلالها؛ ليظهر للرأي العام أن أعضاء أحزاب الجبهة ورجالاتها جميعهم مشاركون في القرار؛ لكن الحقيقة أن القرار كان بعثياً أسدياً ليس إلا.

  • لعنة حزب البعث في مؤسسات الثورة

جرت الأمور بهذه الطريقة في سوريا حتى انتفاض الشعب السوري في الشهر الثالث من عام 2011 لتُلغى المادة الثامنة في الدستور السوري التي كانت تشرعن هيمنة حزب البعث على الدولة والمجتمع؛ وعُدّ ذلك القرار أول منجزات الحراك الشعبي. كانت المعارضة السورية كلها بأحزابها وقياداتها تنتقد لعنة حزب البعث وتعدّه سلوكاً دكتاتوراً – وما الجبهة الوطنية التقدمية إلا محلل سياسي على غرار المحلل الشرعي لتمرير هيمنة حزب البعث – وتستهزئ بالجبهة الوطنية وقياداتها كونها ذريعة لتمرير هيمنة حزب البعث. ظل نقد المعارضة السورية للعنة حزب البعث قائماً حتى بدأت المعارضة بإنشاء مؤسساتها بدءاً من المجلس الوطني المعارض مروراً بالائتلاف الوطني المعارض، لكن لعنة حزب البعث عادت لتتوالد في مؤسسات الثورة -إنْ صح التعبير- وتظهر كأنها نسخة طبق الأصل من خلال سلوك حركة الإخوان المسلمين وسيطرتها على قرار المجلس الوطني ثم الائتلاف وما انبثق من هيئات ومؤسسات، على الرغم من أنها ظاهرياً لا تمثل الأغلبية في المجلس الوطني أو الائتلاف. لكنَّ حركة الإخوان المسلمين مارست دور حزب البعث ولعنته بعينها مع الفصائل والأحزاب والتكتلات وسيطرت على القرار الثوري؛ رغم أنها أظهرت نفسها فصيلاً سياسياً ليس إلا، لا تمييز لها أو تفضل على الآخرين. لكنها في الحقيقة استخدمت من شاركوا في المجلس الوطني والائتلاف جميعهم لتمرير سياساتها وسطوتها الاستبدادية باسم الجبهة الوطنية التقدمية (عفواً) المجلس الوطني والائتلاف الوطني المعارض، حتى وصلت بتلك المؤسسات والهيئات كلها إلى فشل ذريع قد يُذهب دماء شهداء الثورة هدراً؛ وهكذا بممارسة لعنة حزب البعث فشل الإخوان المسلمون أنفسهم في قيادة الثورة؛ كما فشل حزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع. سبب الفشل هو إعادة إنتاج سلوك الاستبداد السياسي ولعنة حزب البعث في صفوف المعارضة؛ حتى باتت تلك المعارضة تتسول الحصول على قرار من الدول الضامنة أو المجتمع الدولي ينقذ بعض ماء وجهها! ولكن هيهات هيهات فقد اتسع الخرق على الراقع.

  • لعنة حزب البعث عند المعارضة الكردية

اللعنة عينها بأدق تفاصيلها التي أفشلت حزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع وأوصلت سوريا إلى ما هي عليه اليوم؛ هي ذاتها التي أفشلت المعارضة السياسية من خلال تسلط حركة الإخوان المسلمين وهيمنتها؛ ظهرت مرة أخرى ولكن هذه المرة في جانب المعارضة الكردية من خلال مجلس سوريا الديمقراطي الذي أصيب بلعنة حزب البعث ومن ثَمَّ الإخوان المسلمين من خلال سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني على مجلس سوريا الديمقراطي والاستفراد بقراراته. عند تأسيس مجلس سوريا الديمقراطي عاد ليمارس لعنة حزب البعث؛ من خلال قرار الفدرلة، ما دفع ببعض رجالاته من غير الكرد إلى الانسحاب منه؛ وها هو يعاود ممارسة لعنة حزب البعث؛ إذ سيطر على القرار السياسي والعسكري؛ على الرغم من أنه يطالب الآخرين بالانضمام إليه ومشاركته في قيادة المرحلة؛ ولكنها مشاركة اسمية لا تسمح لأحد – مهما علا شأنه – بمعارضة قرار أو تمرير آخر أو حتى الاختلاف مع الحزب الاتحاد الديمقراطي. ولم يكتفِ حزب الاتحاد الديمقراطي بممارسة لعنة حزب البعث مع العرب شركائه في المجلس؛ إنما مارسها مع أشقائه الآخرين من الأحزاب الكردية، فكل حزب كردي لا يوافقه في سياسته؛ يُبْعَد ويُعتَقل أعضاؤه؛ وما الآخرون في مجلس سوريا الديمقراطي إلا تجميل يشبه تماماً تجميل أحزاب الجبهة الوطنية الديمقراطية؛ كما يشبه أحزاب المعارضة وشخصياتها في المجلس الوطني والائتلاف عند الإخوان المسلمين. وهكذا يا سادة عادت لعنة حزب البعث في كل محفل سياسي معارض لتنهش جسم هذا التجمع أو التكتل؛ لتعلن عاجلاً أم آجلاً فشله ونهايته وانفضاض الشارع من حوله. فمتى تنتهي لعنة حزب البعث في تجمعاتنا ومؤسساتنا؟ وهل يدرك قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي لعنة حزب البعث حتى يتخلصوا منها؟ أم أنّ الأوان قد فات؟. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى