fbpx

مؤسسة الرئاسة وقد خلت من المؤسسين

لَمْ يُحِط حافظ الأسد خلال حكمه لسوريا نفسه بالمستشارين، ونعني هنا بـ “مؤسسات استشارية”، غير أنه ومجموعته كانوا إلى حدّ بعيد قد اختبروا الحياة والسياسة، ومعظمهم من جيل “حفيَ” حتى وصل إلى السلطة بدءاً من الجوع مروراً بالغرف السوداء وصولاً إلى الحُكم، وبالنتيجة تشكلت لديه ولدى المحيطين به، مايكفي من الخبرة لإدارة الحُكم، حتى وإن أخذ الحُكم طابعاً فردياً، للرئيس فيه مكانة الإله، غير أنه إله محاط بسدنة أقلّ مايُقال فيهم، خبراء.
من ابرز خبرائه كان مصطفى طلاس وعبد الحليم خدّام، ومحمد ناصيف، وعلي دوبا، ولاحقاً انضم فاروق الشرع، وكلّهم يصلحون للعب دور استشاريين دون أن تجمعهم مؤسسة استشارية، وحتى مدير مكتبه الصحفي، وهو “جبران كوريه”، لم يكن بالسذاجة التي تمنعه من إبداء رأي ببيان أو تصريح، أو تصحيح فكرة برأس رئيسه، وهو الصحفي الذي اشتغل في إذاعة برلين الغربية، ولم تخلُ علاقاته من ارتباطات بالإسرائيليين، وهو ماكانت قد كشفته محاكمات كوهين، وكل هذا وذاك سيقودنا إلى الإقرار بأن حافظ الأسد، اشتغل على أن يكون الحفرة التي تشرب مياه التلّة، دون أن يتنازل عن موقعه على رأس التلّة، وهذا ربما أحد أسباب نجاحه في السيطرة على البلاد والحُكم، بل ربما هذا ما أعطاه قدرة استثنائية في أن يكون له مكانته بين زعماء الإقليم.

الذين يعرفون حافظ الأسد، والذين عايشوه، يعرفون باليقين، انه لم يكن الرجل حادّ الذكاء، غير أنهم يعرفون كذلك قدرته الكبيرة على الاستثمار في الاذكياء، والحُكم، أي كان لابد ويتطلب مثل هذا الاستثمار، ولهذا عُرف الأسد الأب بقدرته الفريدة على الإصغاء.

قدرته على الاصغاء، كما قدرته على “لملمة” أذكياء من حوله سمحت له بأن يعرف متى يُطِل ومتى يغيب، ومتى يصمت ومتى يتحدّث، وهو مالم يورثه لابنه وقد أورث ابنه الحُكم، فبشار الابن هو على العكس من الأب، لايعرف متى يغيب، ولا يعرف متى يُطِل، ولهذا سيُطِلُ ليتحوّل إلى “مسخرة”، ويغيب ليتحوّل إلى سؤال لايخلو من “المسخرة” وقد يكون لهذا الامر صلة بمن أحاط نفسه بهم، وهم مجموعة من الأثرياء الجدد، أثرياء تشكّلت ثرواتهم بالاستسهال، وجاؤوا إلى السياسية باستسهال، يُضاف إليهم مستشارتيه الاثنتين اللتين تبحث كل منهما عن رضى السيد، دون حتى احترام لموقعهما الاستشاري والذي أعطى الأولى وهي لونا الشبل مكانة مرموقة في عالم الأزياء فيما اعطى للثانية بثينة شعبان مكانتها في تصريحات أقل مايقال فيها “تزيد الطين بلّة” لتضاف إلى المساخر المتعلقة بمساخر الرئيس.

السخرية والمساخر ربما بدت اكثر وضوحاً في تعاطي الرئيس مع “الزلزال”، ولولا مواقع التواصل الاجتماعي، لأفرد ابتساماته واحتفالاته في زيارته لمواقع الخراب في اللاذقية، كما فعل في زيارته لحلب، غير أن كمّ السخرية الذي طاله في زيارته لحلب نبهه أن:
ـ لايكون الرئيس هكذا.
واضح أن تويتر.. فيس بوك.. ويوتيوب.
باتوا مستشاري الرئيس الذين ينصحونه بـ :
ـ الخجل.
رئيس بلا مستشارين، واستشاريون ما من أحد يستشيرهم.
تلك هي مؤسسة الرئاسة في سوريا.
مؤسسة بكاملها لرجل واحد.
مؤسسة تخلو من مؤسسين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى