fbpx

أي منطقة آمنة يتحدثون عنها؟

المناطق الامنة وفق الأعراف الدولية هي تلك المناطق التي يتواجد فيها مدنيون، ويتم اقامتها بين طرفين متنازعين او اقليمين وتكون تحت اشراف ورقابة دولية، وهي بمثابة حماية مؤقتة للمدنيين بحيث تكون ملجأً آمناً لهم يحميهم من الصراعات الدائرة بشكل مؤقت، ريثما يكون هناك حل جذري لتلك الصراعات القائمة. حدثت مثل هذه المناطق الآمنة في مناطق عديدة في العالم، ومن بينها البوسنة والهرسك، في أثناء الصراعات الدموية هناك، غير أنها في المشهد السوري، تبدو بمثابة حالة مختلفة تماماً، فالمناطق الآمنة التي يجري الحديث عنها، سوف يبقى المدنيون هم أول الضحايا وآخر المستفيدين منها، لأن الأهداف التي يجري الحديث عنها خرجت عن الجانب الإنساني المرجو منها، وراحت تتناول مصالح سياسية وإقليمية، ما يعني أن هذه المنطقة التي من المفترض أن تكون منطقة آمنة، باتت تلوح في الأفق كمنطقة صراعات وتصفية حسابات سياسية وغير ذلك، وهو ما يتنافى مع الهدف الأساسي لقيام هذه المنطقة، وما يجعل المدنيين المقيمين في هذه المناطق عرضة لأثار تلك الصراعات، وما يترتب عليها من تصفية ميدانية على الأرض. في بيان لجماعة الإخوان المسلمين السورية حول المنطقة الآمنة ودعوتهم لـتركيا هو بمثابة اشعال فتيل داخل هذه المنطقة، وتحويلها إلى ساحة اقتتال داخلي، أكثر منها منطقة يلوذ بها المدنيون الذين يعانون من ظروف استثنائية غاية في التردي، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والصحية الملحة التي تعيشها مخيماتهم، وانعدام الأفق السياسي، بسبب تقاسم تلك المنطقة وهيمنة التيارات الإسلامية على عموم المشهد، وفرضهم لرؤية (إمارة إسلامية) ما يتنافى ومنطق قيام هذه المنطقة، والتي تستوجب حضوراً دولياً ورعاية أممية، ووجوداً فاعلاً للمنظمات الدولية، وهو ما يستوجب أصلاً تحقيق الجانب الأمني داخل هذه المنطقة، لكي تتمكن المنظمات الدولية من التحرك بسلامة تامة، ولكي ترصد بنفسها وتتابع احتياجات المدنيين داخل هذه المناطق. ما يعني ذلك أيضاً الحفاظ على حقوقهم القانونية داخل هذه المنطقة كجزء من وطنهم الأم، وهو ما يعني حصولهم على حق التوثيق، والتسجيل القانوني للأفراد بالدرجة الأولى، وحق الحصول على الوثائق القانونية (السورية) وتسجيل المواليد وغيرها، وبما يتيح لهم حرية التحرك، ريثما يتم حل المسألة السياسية بالكامل. ما دون ذلك فهذا يعني أن الحلول المطروحة للمنطقة الامنة هي مجرد حلول سياسية لا تصل في النهاية الى هدفها الأساس في تحقيق سلامة المدنيين أو المحافظة على حقوقهم، وإنما هي مجرد حلول تصل الى حد إيقاف مؤقت للأعمال الحربية في مناطق معينة، وهذا لا يحقق سلامة للمدنيين ولا مصالحهم، ولا الهدف الأساسي الذي يرجوه المدنيون من هذه المنطقة، وإنما ستبدو المسألة بمثابة إطالة للصراع، وإطالة للأزمات التي يعانيها المدنيون على حساب مصالح ذات حسابات سياسية فحسب. المناطق الآمنة التي لا تراعي كل هذه الجوانب هي ليست آمنة، ولا تنطبق عليها القوانين والأعراف الدولية، فلا يمكن إقامة مناطق آمنة بوجود قوى إسلامية متطرفة، ووجود جهاديين وأجانب، لا يربطهم بالواقع السوري أي شيء، ولا يمكن إقامتها دون الزام النظام بتحمل كامل المسؤوليات التي كانت مترتبة عليه، ما يعني ذلك أن النظام يتحمل مسؤولية حرية حركة المدنيين وضمان سلامتهم، كما يتحمل مسؤولية وصول المساعدات وحرية انتقال ووصول البضائع وغيرها، وليس العمل على فصل هذه المنطقة وعزلها عن الوطن الآم. لهذا، إن الحلول السياسية التي سوف تقصي رأس النظام عن السلطة، وإعادة هيكلة سياسية لسوريا من جديد، هي التي ستنهي الصراع القائم فيها، وهي التي ستحد من انتشار التطرف، وتمنع تحويل سوريا إلى مستعمرة إيرانية من جانب، وإلى قواعد أفغانية من جانب آخر، بما يترك منطقة الشرق الأوسط ساحة صراع مفتوحة، سوف يتضرر منها الجميع. المطلوب هو وطن آمن، ولا مانع من تكوين منطقة آمنة بشكل مؤقت تكون خالية من كل قوى العنف والتطرف. كذلك فإن المطلوب أثناء طرح الحلول هو المنطق الوطني إنْ كان من المعارضة أو النظام ولقد أخفق الإخوان المسلمون في هذا المنطق كعادتهم ببيانهم الأخير حول المنطقة الآمنة؛ فمتى يقدم الطرفان المعارضة والنظام هذا المنطق في طرحهم للحلول؟؟. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.''

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى