fbpx

سد "بخمة".. صراع حكومة المركز مع حكومة الإقليم في العراق

منذ أكثر من ستين عاما ومشروع سد بخمة (60 كم شمال شرقي أربيل) ينتظر أن يرى النور، وفي تلك الحقبة شهد العراق النظام الملكي وسلطة نظام حزب البعث ومرحلة ما بعد سقوط النظام من دون أن يتمكن من تحويل هذه الحلول إلى أفعال لتوفير المياه. ومع قطع مياه نهر الفرات من قبل تركيا وخفض مياه الزاب الصغير من قبل إيران أصبح العراق وإقليم كردستان مرة أخرى عرضة لخطر الجفاف ونقص المياه،ولكن الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل وخطر فقدان عدة قرى في حدود منطقة بارزان أجهضت المشروع، برغم أن الإقليم وبغداد في أمسّ الحاجة لتوفير المياه في وقت تخوض دول الجوار حرب التجفيف ضدهما.

  • من الملك إلى المالكي

تمت دراسة المشروع في عام 1937 ووضعت شركة “هرزا”الأميركية خريطة المشروع قبل خمسة وستين عاما أي في عام 1953 حين كان النظام الملكي سائدا في العراق، وكان المشروع يهدف الى تجميع مياه نهر الزاب الكبير الذي ينبع من تركيا ويدخل ضمن حدود إقليم كردستان ليصب بعد ذلك في نهر دجلة. في عام 1979 وفي بداية ظهور سلطة حزب البعث أحدثت شركة يابانية تغييرا في خريطة سد بخمة وفي عام 1986 بدأت شركتان تابعتان لتركيا ويوغسلافيا السابقة بتنفيذ المشروع حتى عام 1991 اذ أوقف المشروع بسبب حرب الخليج الثانية على الرغم من تنفيذ 34% منه. وتفيد دراسة نشرها الموقع الرسمي لحكومة إقليم كردستان عام 2005 أن السد المذكور في حال إنشائه سيكون أكبر سد في العراق ورابع سد في العالم وسيوفر بين (14-17) مليار متر مكعب من المياه وسيدعم إرواء أكثر من (560) هكتارا من الأراضي الزراعية وإنتاج (1500) ميغاوات من الكهرباء، في وقت ليس بإمكان سدود إقليم كردستان توفير كميات المياه الضرورية للإقليم. يقول أكرم محمد مدير عام إدارة السدود في وزارة الزراعة والموارد المائية في حكومة الإقليم : “بإمكان السدود الثلاثة دوكان ودربندخان ودهوك تجميع سبعة إلى ثمانية مليارات متر مكعب من المياه في حين يحتاج الإقليم الى عشرة مليارات متر مكعب من المياه”. وأضاف: “لدينا خطة استراتيجية لإنشاء (250) سدا بين كبير ومتوسط وصغير، أنجزت منها حتى الآن (14) فقط، واذا استمرت خطواتنا على هذا النحو فأننا سنواجه مشكلة نقص المياه في الأعوام المقبلة”. وعقّد تعطل مشروع سد بخمة بعد عام 1991 المشكلة حين انسحبت الحكومة العراقية من إدارة مدن إقليم كردستان وبقي المشروع متوقفا. ولم يكن التوقف المشكلة الوحيدة التي تواجه المشروع، إذ أصبح ضياع الآليات المتواجدة في موقع المشروع مشكلة أيضاً، فقد بيعت وقتها جميع الآليات وحتى القضبان الحديدية وأدوات السد إلى إيران عبر طرق التهريب وبعلم الأحزاب الحاكمة في كردستان حسب السكان المحليين. وأجرت لجنة برلمانية في الدورة الثانية لبرلمان كردستان (2005- 2009) متابعات لمصير سد بخمة، إلا أن نتيجة التحقيقات لم تظهر كما لم تتمكن من إعطاء دفعة للمشروع. وقال النائب جميل محمد الذي كان مقررا للجنة الزراعة والري البرلمانية في تلك الدورة : “تابعنا الموضوع، إلا أننا لم نتوصل إلى نتيجة” من دون أن يعطي مزيدا من المعلومات حوله. وقال عبدالرحمن علي عضو لجنة الزراعة والري في برلمان كردستان : “ناقشنا موضوع سد بخمة داخل اللجنة لمرة واحدة فقط وقد قمت بمتابعة الموضوع بنفسي ولكن الرد كان أن الموضوع سياسي وهذا سبب بقائه دون حل حتى الآن”.

  • أين هي العقدة؟

في عام 2005 واجه تنفيذ مشروع السد عقبات جديدة ولم تكن هذه المرة متعلقة بالتمويل إذ كان نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي آنذاك وافق على صرف خمسة مليارات دولار من ميزانية العراق لتنفيذه، لكن الخلافات بين بغداد وأربيل حول بعض تفاصيل المشروع حالت دون العمل به. محمود رضا النائب في البرلمان العراقي أكد أن ” الموارد المائية العراقية ناقشت الموضوع مع الإقليم في عهد حكومة المالكي وقد تم تغيير خطة إنشاء السد أكثر من مرة، ولكن الإقليم لم يسمح بإنشائه”. ويبدو ظاهريا أن الخلافات بين الإقليم والمركز هي حول حجم السد ومنسوب المياه التي يجمعها، و قال ظافر عبدالله مستشار وزارة الموارد المائية في الحكومة العراقية حول أسباب الخلاف “حينها كانت مشكلة عدم إنشاء بخمة تعود إلى رئاسة إقليم كردستان، إذ كانوا غير راضين عن المشروع ويفسرون الأمر من منطلق سياسي، كما قدموا مقترحات بديلة لم تكن مجدية من الناحية الفنية ومنها خفض منسوب المياه في السد وحجم خزانه”. وأضاف: “نهر الزاب هو النهر الوحيد في حدود العراق الذي لم ينشأ عليه سدود كبيرة لذلك كان السد مفيدا في حال إنشائه لإدارة المياه في العراق”. ويقول مدير عام إدارة السدود في وزارة الزراعة والموارد المائية في حكومة الإقليم: “لم تقبل القيادة السياسية الكردية إنشاء سد بخمة رغم أن بغداد قدمت ثلاثة بدائل للمشروع”. كاروان كريم خان مدير ناحية خليفان التي يقع السد ضمن حدودها الادارية قال : “سيؤدي إنشاءه الى إغراق أكثر من خمسين قرية”. ونظمت حينها في المنطقة التي تضم المشروع حملة لجمع التواقيع لمنع إنشاء السد والتي أصبحت فيما بعد مبررا بيد إقليم كردستان لإيقافه. وأكد حسو محمد أمين (52 سنة) وهو من سكان قرية “دوله تيجوه” وهي إحدى القرى التي يجري الحديث عن غرقها في حال إنشاء السد، أن “سد بخمة كان سيسبب لنا مشكلات كبيرة ويجبرنا على النزوح وكانت أراضينا ستغرق، لذلك جمعنا تواقيع لإيقافه أو تقليص حجمه”. رغم غموض ملفات المشروع وبقائه دون تنفيذ يتفق أغلب المختصين بالشأن المائي العراقي على أن السد هو مفتاح الحل لأزمة العراق المائية وإنهاء ارتهانه لدول الجوار ، فهل سيخرج المشروع من دائرة الخلافات والحسابات السياسية ليروي ظمأ العراقيين ؟ مينا عن “نقاش” مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى