fbpx

الملالي وقد احتلوا العراق

كان على الأمريكان، أن يفهموا أنهم من خلق سلطة الملالي في طهران، نعم فعلوا ذلك، وما يحدث اليوم ليس سوى حصاد السياسات الأمريكية هناك.

لقد أدى دخول القوات الأمريكية إلى العراق إلى خلق بيئة خصبة ساهمت في زيادة النفوذ الإيراني ليس فقط في العراق ولكن في جميع أنحاء المنطقة. واليوم، أصبح وجود الميليشيات المدعومة من قبل إيران ووكلاءها داخل قوات الحشد الشعبي يمثل تهديداً متزايداً لبقاء الحكومة العراقية وللمصالح الإقليمية الأمريكية، حيث باتت إيران تمثل خطر وجودي يهدد مكونات وقوميات عراقية أخرى من خلال وكلاءها حيث سيطروا على محافظات كاملة متلاعبين بديمغرافيتها وهويتها الدينية بالقوة بعد نشر عقيدتهم الأيديولوجية والتوسعية في جميع دول المنطقة العربية وخلق منظمات إرهابية تهدد السلم والأمن الدولي.

هذا ما يقوله باحث عراقي سيضيف:” لقد أصبح وكلاء إيران يسيطرون على مفاصل الدولة العراقية والتي تتمثل في أجهزة الاستخبارات وأجهزة متابعة الفساد وأجزاء مهمة من البنك المركزي وعملية تصدير الغاز والنفط وحتى أجزاء كبيرة من القضاء، بما يعني خلق “الدولة العميقة” المتمثلة في وكلاء إيران .. الدولة العميقة التي عززت الفوضى وهددت المصالح الأمريكية وقدمت المصالح الإيرانية على المصالح العراقية وجعلت الإدارة الأمريكية تشعر أنها تحت الإرادة الإيرانية داخل العراق حيث عملت إيران على تمكين رجالها ودعمهم في جميع مفاصل الدولة من خلال سيطرة المكون الشيعي على باقي مكونات الشعب العراقي سياسيًا واقتصاديًا، وعسكريًا، وعملت على استغلال الإعلام لشيطنة الأخر وتصفية المعارضين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

وكلاء إيران في العراق عملوا على تكريس سلطتهم بشكل أساسي من خلال جهودهم العسكرية. عسكرياً، بعد قرار حل الجيش العراقي في 2003 يوم انقسمت الكتلة البشرية للجيش العراقي إلى قسمين: القسم السني الأول ويضم الجنرالات الذي لجأوا لدول أخرى، والجزء الثاني ارتبطوا بالعنف وأصبحوا عناصر من تنظيم “داعش” والذين تبنوا أيدلوجية متطرفة. أما القسم الثاني فهو يشمل الجنود الشيعة الذين انضموا إلى المليشيات الموالية لإيران، حيث قامت الأخيرة بتعيين قادة موالين لها وللحرس الثوري الإيراني بدلاً من الجنرالات السنة السابقين. 

وفى هذا الصدد، دعمت إيران “فيلق بدر” التابع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق، ثم وسعت من دعمها ليشمل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وظهرت كتائب فرعية جديدة كعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي 2011، حيث اختفت تلك المليشيات ثم ظهرت فجأة بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل، وأصبحت تنضوي تحت لواء ما أصبح يطلق عليه “الحشد الشعبي”. وعلى الرغم من أنّ هذه الميليشيات تخضع من الناحية الفنية لقيادة بغداد منذ العام 2016، إلا أنها في الواقع تتبع أهواء داعميها في طهران.

سياسياً، عملت مليشيات الحشد الشعبي على ترجمة شعبيتها التي حصدها جراء انتصارها على التنظيم إلى مكاسب سياسية خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو عام 2018، وخاضت الانتخابات تحت كتلة “الفتح المبين ” وبالنظر إلى نتائج تلك الانتخابات نجد أن الفائزين الرئيسين في الانتخابات كانت جهتان هما كتلة “سائرون” الذي تمثل التيار الصدري بالمرتبة الأولى بـ 54 مقعدا وهم الطبقة العمالية التي تتأثر بعائلة الصدر عاطفيا ودينيا. أما الجهة الثانية هي تحالف “الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري ويضم فصائل الحشد الشعبي والذي حلّ ثانيا على مستوى العراق بـ 47 مقعدا. مثلت هذه المقاعد نجاحًا سياسيًا كبيرًا لوكلاء إيران في العراق، حيث يضم التحالف المستفيدين من أعضاء هذه الميليشيات وعائلاتهم. ويبدوا لنا هنا أن الأغلبية العراقية مغيبة وان وكلاء إيران اخذوا الدور الرئيسي للسيطرة على إدارة الحكم وليس أغلبية المجتمع العراقي.

وعلى الجانب الاقتصادي، عمل وكلاء إيران في العراق على فرض نفوذهم الاقتصادي في العراق بهدف السيطرة على الدولة العراقية والتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية. فبعد تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، عمدت الأخيرة إلى إتباع نهج اقتصادي جديد في العراق يعتمد التوسع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بغية التخفيف من الحصار الأمريكي على إيران. ومن الجدير بالذكر أن أول المتضررين من تلك العقوبات التي شملت وقف تصدير النفط ومصادر الطاقة لإيران، هو العراق الذي يستورد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران بكميات كبيرة لسد احتياجاته. وخلال عام 2017، أصبح الشركات الإيرانية تقدم 80 في المئة من الخدمات التقنية والهندسية في العراق. كما أسس أيضاً وكلاء إيران عدد من البنوك وشركات عقارية لتحويل الأموال وشراء العقارات من المهجرين بأرخص الأسعار تحت التهديد والتهجير.

وقد تجلى هذا النفوذ في التحويلات المالية التي تمت بين العراق وإيران بعد دخول كتائب حزب الله ووكلاء ايران لمدينة جرف الصخر شمال مدينة بابل أثناء القتال مع تنظيم “داعش” ، حيث حولوا المدينة لمركز اقتصادي للحرس الثوري الإيراني ، واستغلوا مصفاة نفطية طور الإنشاء بنسبة 35% ونسقوا مع وزارة النفط العراقية لاستثمار النفط وحولوا ضفتي نهر الفرات مواقع لتربية الأسماك، وصادروا 100.000 دونم زراعي من بساتين عشائر الجنابين ،وحولوها لمشاريع زراعية تمول الوكلاء واستوردوا الأبقار ومعمل البان إيراني ومشروع للدواجن لتمويل هذه المليشيات حيث تم تحويل مدينة جرف الصخر إلى مدينة يعتمد اقتصادها تمامًا على إيران. ومن الضروري أن نلاحظ أيضا أنه في مدينة جرف الصخر، كان وكلاء إيران، أي (كتائب حزب الله) هم أكثر المستفيدين من هذه المكاسب، حيث تدير هذه القوات شبكة من السجون وتتمتع بتأثير كبير في المنطقة. وتمثل تلك الخصوصية ضرراً كبيرا ًبالنسبة للولايات المتحدة التي أدرجت كتائب حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بالولايات المتحدة، ومن بين أكثر المجموعات التي تسيطر عليها إيران بشكل مباشر.

أصبحت القبضة المالية والسياسية التي تفرضها إيران على قطاعات كبيرة من الشعب العراقي كبيرة للغاية. ونتيجة لهذا الواقع، فإن الجهود المبذولة لدمج الميليشيات التي تدعمها إيران في الجيش العراقي ستثبت في النهاية عدم فاعليتها. ومن غير المحتمل أن يتمكن العراق من كبح جماح العديد من الميليشيات بسبب الولاءات المتضاربة لقيادته وأتباعه.

كل ذلك حدث تحت عين وأذن القوات الأمريكية التي فتحت الطريق واسعًا لنظام الملالي الذي جثم بكلكله على العراقيين ليمارس أبشع أشكال النهب / العنف/ والسطوة على إرادة العراقيين واليوم، وحين اشتعلت ثورة العراقيين، كل العراقيين بمواجهة الملالي، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للثورة، فبات العراق قاعدة متقدمة في مواجهة القوات الأمريكية نفسها.

هو ذا الزرع وهو ذا الحصاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى