fbpx

غزة وتل أبيب مشروع شراكة ..!!

د.حذيفة المشهداني

على من يريد ان يفهم سطورنا ان يتحرر أولاً من الهوى لأنه آفة العلم وان يبتعد عن التعصب الحزبي لأنه يعطل العقل ويلغي التفكير.

في الماضي القريبأعلن ترامب صفقة القرن وبهذه المناسبة اقول ان حماس كانت جزءً من هذه الصفقة لانها مهدت الطريق وهيّأت المسرحواختزلت قضية فلسطين لتصبح القضية وقدسيتها محصورة في موضوعة غزة وحصار وغزة والمعابر مما منح الصهاينة فرصة تهويد الضفة الغربية والقدس بينما الكل منشغل بمهاترات حماس،والخطيئة الكبرى لحماس تمثلت في انها عبثت بقضية فلسطين في الوجدان العربي عندما تحولت الى مجرد ميليشيا ايرانية تستهتر بمشاعر نصف مليار مسلم .

والآن نبدأ سطورنا بدراسة تجربة حماس في اطار قراءة تجارب التاريخ التي توضح لنا كيف يقوم الغزاة باجهاض الثورات الكبرى للأمم، وقد تكونت لهم خبرة في اجهاض ثورات الشعوب، منذ تجربة الفرنسيين في اخماد الثورة المكسيكية ومرورا بتجربتهم مع المقاومة الفيتنامية التي اسقطوا معالمها على الثورة الجزائرية،وصولا الى تجربة بلاك ووتر الامريكية في العراق وافغانستان وانتهاءا بثورة الشام.

وتتلخص اهم الاساليب التي ينتهجها العدو في اختراق الفصائل المؤثرة على الأرض عبر وكلائه أو العمل على صناعة فصيل يكتسب قوة ومصداقية تجعله ينتزع الشرعية وبمعرفة العدو الذي يعمل على تسليط الأضواء عليه حتى وان ادى ذلك الى اظهار العدو نفسه بموقف الضعيف او حتى لو ادى ذلك إلى خسارة العدو بعض مواطنيه وجنوده في إطار لعبة تصنيع هذا الفصيل او ذاك بل ان تقديم العدو بعض التضحيات والخسائر تعتبر عملية ضرورية في سياق عملية التصنيع او مايسمى بمختبرات صناعة العملاء ليمنح ذلك الفصيل شرعية امام الراي العام قبل ان تبدأ الصفحة الثانية المتمثلة بالتفاوض وتقديم التنازلات وصولا الى قرار الشراكة الذي يستند الى الدعم الشعبي الذي يحضى به هذا الفصيل في الشارع عبر مراحل المواجهة والتي جعلته يكتسب الشرعية حتى يصبح في مأمن من اتهامه بالخيانة.

ولو نلاحظ تجارب التاريخ القصير لوجدنا انه حتى في الجانب الاسرائيلي فان كل معاهدات السلام مع العرب لم يقم بها حزب العمل او ما يسمى بجناح الحمائم بل انها كانت تتم في عهد الليكود أو المتشددين أو ما يطلق عليهم معسكر الصقور، فتلاحظ ان معاهدة كامب ديفيد أنجزها مناحيم بيغن وهو زعيم الصقور، ومعاهدة وادي عربة تمت في عهد اسحق رابين وهو يميني والانسحاب من غزة تم في عهد شارون الذي يطلق عليه بلدوزر الارهاب الصهيوني، بل وحتى مفاوضات السلام بين نظام الأسد واسرائيل لم تحرز تقدما الاّ في عهد اسحق رابين المتطرف اليميني وكلنا نعرف ونتذكر مصطلح (وديعة رابين) التي يطالب الاسد بتفعيلها بينما ينكرها الصهاينة،ووديعة رابين هي تعهد أطلقه رئيس الوزراء الصهيوني اسحق رابين بالتنازل عن بعض المواقع في الجولان لصالح نظام الأسد مقابل توقيع معاهدة السلام الدائم والتطبيع.

كتبت هذه اللمحة البسيطة كتوطئة للقارئ لكي يدرك ان الفصيل الضعيف او حتى الحكومات الضعيفة لاتجرؤ على تقديم تنازلات لانها لاتمتلك شرعية شعبية ورأي عام كاسح يمنحها قدرا مناسبا من هامش المناورة أو تقديم التنازلات، وهذا ما حصل تماما في موضوعة حماس والسلطة الفلسطينية ومنظمة فتح واسرائيل، فبعد معاهدة اوسلو فقدت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية شرعيتها الأخلاقية في الشارع الداخل الفلسطيني والشارعين العربي والإسلامي وبلغ الأمر ذروته بوفاة المرحوم ياسر عرفات، لأن ياسر عرفات وبغض النظر عن موقفنا منه سواء كان سلبيا أم إيجابيا، ولكنه في كل الأحوال كان يمثل كاريزما وحضورا في المشهد الفلسطيني ويمتلك القدرة على أن يخلق من نفسه خيمة أو رمزا تجتمع حوله مختلف الشرائح الفلسطينية،حتى ان الكثيرين كان يسمونه (الختيار) لأعطائه الصفة الأبوية التي تشكل مرجعية أخلاقية عند عموم الفلسطينيين.

في هذا الاطار تم التاكيد على موضوع غزة لأنه كان يخفي اجندة خطيرة تكمن في رؤيا اسرائيلية لتكون غزة هي البديل عن فلسطين وبالتالي فان الاهتمام الإعلامي العالمي والعربي بالمناوشات التي تحصل في غزة ينبع من رؤيا شاملة تتلخص في اختزال قضية فلسطين في قطاع غزة وتقديم حماس للواجهة لتحضى بشرعية عربية إسلامية وتوجيه الانظار بعيدا عن الأقصى والقدس.

فقطاع غزة لايشغل اهتماما يهوديا توراتيا كما هو الحال مع يهودا والسامرة – مخوز يهودا فشومرون – (מחוז יהודה ושומרון).

غزة لاتمثل ارثا تاريخيا في الوجدان اليهودي وبالتالي فمن مصلحة اسرائيل اختزال قضية فلسطين في موضوعة غزة حتى وان أدى النزاع بين حماس واسرائيل الى تقديم بعض التضحيات المتبادلة، ولكن تقديم حماس للواجهة يمثل مصلحة اسرائيلية كمقدمة لاعتبار غزة هي فلسطين ويكون الامر قد ترسخ في الوجدان واللاوعي العربي عبر سلسلة مواجهات متقطعة بين اسرائيل وحماس تجعل الناس تتجه بانظارها صوب حماس.

من أراد فهم قواعد اللعبة ان يراجع ماكتبه أفرايم هاليفي؛ مهندس اتفاقية وادي عربة، ورئيس الموساد الاسبق، والاكثر خبرة في دهاليز صنع القرار في الشرق الاوسط والعالم ،اذ يرى هاليفي ان حل القضية الفلسطينة لايمكن ان يقوم على فكرة اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية ويرى ان حل النزاع مع الفلسطينيين يجب ان يكون ضمن مقاربة عالمية شاملة في اطار مكافحة الارهاب، فهو يقترح وضع خطة مركزية مشتركة للانتصار في هذه الحرب التي يستوجب ان يرافقها «نضال داخلي ضمن الإسلام نفسه»، تقوم به حركات مثل «حماس» و «حزب الله».

ويشير في مقاربته الى ان حماس ليست مجرد مجموعة «إرهابية»، فلديها مصالح سياسية واجتماعية وبرامج تعليمية وجمهور، وهي تريد المحافظة عليها، وتدرك أن ثمة ثمناً لذلك. فـ «حماس» تعاونت مع الفصائل الفلسطينية الأخرى عندما انسحبت إسرائيل من غزة، «وشكلت عاملاً مهماً في السماح للجيش الإسرائيلي بأن ينسحب بنظام وكرامة» على حد تعبير هاليفي. فضلاً عن انها شاركت في الانتخابات الفلسطينية، وبالتالي تطمح ان تكون جزءاً من النظام وليس تدمير النظام . ويضيف هاليفي ان قادة «حماس» التقوا الإسرائيليين وتحاوروا معهم، كما ان لـ «حماس شبكة واسعة من العلاقات مع الدول والمنظمات في أنحاء العالم.

ويسترسل هاليفي: «أبلغت (أو بلغت) «حماس» بكل وضوح وصراحة ان ازدواجية مقاربتها للسياسة / الإرهاب مرفوضة ومدانة، وأن عليها الاختيار بينهما. هناك اعتقاد متأصل بأن «حماس» تملك خياراً، وقد تنشأ ظروف تدعى بعدها «حماس» الى الخيمة لتكون شريكا ،أما متى تنضم حماس الى الخيمة فيجيب قائلا :

من الممكن جداً أن نشهد مزيداً من العنف قبل أن ينضج الوضع ويصل الى نقطة تسمح بأن يحصل هذا. وفي تقويم إيجابيات وسلبيات ضم «حماس»، على العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة مع بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وأخيراً وليس آخراً إسرائيل، أن يفكر ملياً بمدى إسهام وتأثير مثل هذا التطور على الحرب العالمية ضد الارهاب .(انتهى الاقتباس)…

في هذا الاطار كانت تجري المناوشات التي لا تختلف في الاعداد والاخراج عن ترتيب المسرح لما هو قادم حتى وصلنا اليوم الى صفقة القرن التي ستدخل فيها حماس تحت عنوان مخادع يسمى التهدئة،فرغم كل الشعارات والبهرجة فاننا اليوم أمام مشهد ينطوي على نتيجة حتمية تتمثل بغزة بدل دولة فلسطين، واختزال قضية القدس واللاجئين لتكون مجرد قضية فتح معابر.

أن المبادرة المطروحة للتسوية بين حماس واسرائيل او مايطلق عليه – التهدئة – لأغراض التجميل، هو اتفاق هدنة طويلة تمتد لخمس سنوات،يتم في المرحلة الأولى فتح معبري كرم أبو سالم ورفح بصورة دائمة أولا،يتم بعدها تحسين ظروف المعيشة وفك الحصار كليا عن القطاع ثانيا،وفي المرحلة الثالثة تنفذ الأمم المتحدة إنشاء مطار وميناء ومحطة كهرباء على الأراضي المصرية ،وكتب وزير الاتصالات والاستخبارات “يسرائيل كاتس” تغريدة على تويتر قال فيها (الوضع في غزة يقترب من الحسم،وسأدعم كل خطة تشمل إنشاء بنى تحتية مصرية في البحر والبر لصالح غزة تحت إشراف دولي).

وهذا هو بالطبع نفس سيناريو صفقة القرن حتى لو أخذ تسمية هدنة لتهدئة النفوس وابعاد الشبهة.

ومنذ البداية كنت أقرأ ان سياسة اسرائيل في نفخ وتضخيم صورة حماس، كان بهدف منحها شرعية لدى الجمهور تتمكن من خلالها من بيع القضية ولا احد يستطيع الاعتراض او التشكيك بعدما تم اقناع الناس عبر الدعاية ومسرحيات الاعلام ان حماس حركة اسلامية جهادية مقاومة نظيفة عفيفة.

وارجو من القارئ الكريم أن يتمعن في التسهيلات التي منحتها المخابرات المصرية حين سمحت لأعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج بدخول قطاع غزة برئاسة نائب رئيس الحركة صالح العاروري برغم انه أحد أبرز المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي، لتسهيل مناقشة المبادرتين المقدمتين من مصر ومن مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف بشأن هدنة طويلة بين حركة حماس القوة الرئيسية بين فصائل المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي، في مقابل رفع الحصار عن القطاع.)

تصوروا انه مطلوب لاسرائيل ويدخل بحماية مصرية واليكم الباقي..

واخيرا وليس اخرا خروج اسماعيل هنية وبحماية اسرائيلية ورعاية مصرية فيذهب الى طهران لتشييع قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني الذي يزعمون انه سيمحو اسرائيل ويزيلها من الوجود .

ان ما يجري اليوم يمثل درسا من دروس مفردات علم السياسة في ادارة النزاعات والتي تتمثل في”المساومة والاحتواء والحصار والتهديد والضغط والتفاوض ” وصولا الى مرحلة النضج “نضج الظروف الموضوعية للتسوية” وهذا يتطلب ايصال الطرف المقصود او الفصيل الى قناعة بإيجاد بديل للصراع عبر حقنه بجرعات من الالم ، وبذلك ينضج تصور عند الفصيل (حماس) بان الحل الأحادي للأزمة غير ممكن مما يفرض البحث عن حل مشترك،وهنا تكون صفقة القرن هي الحل بعدما أدركت بأنها في مأزق يجعلها تحس بأنها محتجزة ضمن وضعية لاتمكنها من تحقيق أية مكاسب من خلال الاستمرار في التصعيد، وهنا أدركت حماس بأنه يتعين عليها البحث عن سياسة بديلة أو مخرج لهذا النفق المسدود deadlock. ويؤكد “هنري كيسنجر”، مهندس عملية السلام في الشرق الأوسط ذلك،بإقراره بأن المأزق المتبادل هو إحدى الشروط الأساسية لنجاح التسوية، ويستند إحساس أطراف النزاع بأنها أمام مأزق إلى المعاناة وتزايد الخسائر التي ترتبط باستمرار التصعيد وعندما يرتفع معامل التكاليف نسبة إلى المكاسب بشكل دراماتيكي،فتشعر بالاحتجـاز وتبحـث عـن بديـل آخـر، ومن هنا يمكن تفسير السماح لحماس بتحقيق انتصار تكتيكي يقابله حصار وقبضة فولاذية اسرائيلية، لأن الاتفاق بين الكبار هو ادارة الصراع وصولا الى تسوية يتحول الجميع فيها الى شركاء بما فيهم الداعمين الاقليميين واسرائيل وحماسوأمريكا ، وهذا يستوجب الاسراع في تصفير المشاكل بين كل الاطراف بما فيها ايران ونظام الاسد واسرائيل الأمر الذي يفسر الاتفاق على عودة قوات الاسد الى مناطق الحدود الاسرائيلية مع سوريا وطرد فصائل المعارضة من هناك . 

Read More

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى