fbpx

ماذا وراء إغلاق قناة القدس

الأزمة المالية ليست هي السبب الأول والمباشر في مسألة إغلاق قناة القدس الحمساوية التي تبث من بيروت، والتي توقف العاملون فيها عن تقاضي مرتباتهم منذ منتصف العام الماضي، لكن ثمة أسباب أخرى مجهولة، هي التي لا يعرفها كثير من العرب، لكن غالبية الفلسطينيين يدركون تماماً أسرار هذه الأزمة، والأسباب الحقيقية وراء الضغط الإيراني الذي ازداد منذ العام الماضي بقصد إيقاف قناتي القدس وفلسطين اليوم، التابعتين لحماس والجهاد الإسلامي، فالسبب الأول والمباشر لا يعود للأزمة المالية التي يمر بها الاقتصاد الإيراني فحسب، وإنما لهدف آخر مغاير تماماً، وهو أن إيران استخدمت القضية الفلسطينية بالأساس لكي تعبر إلى العواصم العربية من خلالها، وبعد الاجتياح الإيراني لهذه العواصم، لم يعد الملف الفلسطيني مهماً بالنسبة لإيران، لذلك إن جذور الأزمة المالية لحماس والجهاد الإسلامي ترجع لعام 2012 عندما كان الاقتصاد الإيراني لا يزال متماسكاً، وعندما كانت إيران قد بدأت في حينها بإنفاق المليارات في سوريا على المليشيا التي أعدتها لاجتياح سوريا بحجة دعم نظام الأسد. قناة القدس أقفلت أبوابها، والعاملون بانتظار مرتبات سبعة أشهر ماضية لم يتم صرفها لهم، إضافة الى التعويضات المستحقة عن فترة عملهم في القناة، بينما فضائية فلسطين اليوم تتجه نحو الاغلاق في بيروت، والانتقال إلى غزة، لكي تستمر بالبث بحدود متواضعة كما هو حال فضائية الأقصى الحمساوية، في الوقت الذي امتنعت هذه القناة أيضاً عن تقديم مستحقات العاملين المالية منذ ذات الفترة التي مرت بها قناة القدس، فالمسألة واحدة، والممول واحد، والنتائج والقرارات الصادرة من هذه المؤسسات الإعلامية هي واحدة وبتوقيع إيراني. الإيرانيون يفضلون دعم القطاعات العسكرية في كلا التنظيمين، على حساب المؤسسة الإعلامية، التي لم تكن من منظور الإيرانيين مقنعة لهم، لأن إيران تريد ما هو أكثر من المؤسسات الفلسطينية، حيث ظلت تسعى إلى تحويلها إلى مجرد أبواق إيرانية (فقط) ورغم انصياع هذه المؤسسات الجزئي للمطلب الإيراني، غير أنها لم تنجح في تلبية كامل المطلوب منها، ما جعل الإيرانيون يرون في قنوات حزب الله والحوثيين وقنوات المليشيا الإيرانية البوق الإعلامي المناسب، وباتوا يميلون إلى تضييق الخناق على مؤسسات حماس والجهاد الإسلامي، وأما الهدف الإيراني من دعم القطاع العسكري فقط، فهو يحمل خلفية سياسية في الذهن الإيراني، لأن إمساك إيران إنما يهدف إلى أمرين، الأول: أنه يتسبب باختراق إيراني يصنع انقساماً داخلياً داخل هذه الفصائل، على شاكلة صناعة منظمة الصابرين الشيعية التي قامت بشقها عن حركة الجهاد الإسلامي، والثاني: هو استخدام هذه القوة العسكرية لأجل رهانات سياسية تحسبها إيران في أي صفقة سياسية قادمة. الإذلال، هو السمة الأساسية للمال الإيراني في الساحة الفلسطينية، وقد بدأت هذه المسألة منذ مطلع عام 2012 عندما طلبت إيران من الفصائل التي تدعمها بياناً تفصيلياً عن مصاريفها، في كامل قطاعاتها، بما في ذلك المصاريف الشخصية في مكاتب قيادات حماس والجهاد الإسلامي، وكانت تقوم بإجراء مراجعة مذلة للمسؤولين عن المالية في هذه الفصائل، وتطالبهم بالفواتير عن مشتريات بسيطة لبعض الفواكه أو الخضروات في مكاتب القيادات، ما يعني أن هذه الفصائل، ما بعد عام 2012 باتت إيران تتعامل معها كما تتعامل مع واحدة من كتائب المليشيا العسكرية التي أنشأتها، والتي ينبغي عليها تقديم كامل ملفاتها للقيادة العليا، ما يعني أن حماس والجهاد لم تعد تتلقى الأموال بطريقة محترمة، وإنما بإذلال واضح من خلال البرنامج المالي الإيراني للمحاسبة والصرف المالي. إيران التي تدعم مؤسسات حزب الله الإعلامية، ومؤسسات الحوثي، وعشرات الفضائيات ومحطات الراديو والصحف الالكترونية والورقية المنتشرة من لبنان إلى اليمن وسوريا والعراق وغيرها، اختصرت التوقيت، وقررت إيقاف قناتي القدس وفلسطين اليوم(التي ستتوقف لاحقاً) التابعتين لحماس والجهاد الإسلامي، بينما لا تزال الأبواق الإيرانية الأخرى تزعق في الفضاء الكوني، وبهذه الخطوة هي توجه رسالة مهمة، يتوجب قراءتها بشكل جيد، فالمعلوم أن مصاريف هذه فضائيات حماس والجهاد الإسلامي باتت محدودة، خصوصاً بعد اعتماد البث على الوكالات الدولية، وبعد اختصار المكاتب الإعلامية لقناتي القدس وفلسطين اليوم، وتقليل حجم الموظفين، وغير ذلك، وما يمكن قراءته هنا، أن إيران ليست معنية بالواجهة الإعلامية لهذه الفصائل الفلسطينية، وباتت ترى في إعلام حزب الله والحوثي هو المادة البديلة، ما يعني أن المطلوب إيرانياً، هو أن يكون الصوت الفلسطيني(لحماس والجهاد) المرئي والمسموع بنكهة إيرانية فقط، وهذه بحد ذاتها إهانة لهذه الفصائل، التي فقدت حتى خصوصيتها الإعلامية في فضائية مستقلة، بسبب الارتهان المالي لإيران، والذي يخضعها للتفتيش المالي الدقيق منذ سنوات. إيران التي تدرك أن أيامها في سوريا باتت معدودة، هي ستتخلى عن التدخلات في الملف الفلسطيني، لأنه أصلاً لم يعد يعنيها، ففي السابق كان العنوان الفلسطيني موجهاً لأمرين، هما الداخل الإيراني، بالإضافة إلى الأطماع الإيرانية لاجتياح العواصم العربية، ولكننا الآن، بتنا نشاهد الاعلام الإيراني معني بالدرجة الأساسية بتوجيه الرسائل للداخل الإيراني، من خلال الترويج لبناء القوة النووية، أو الأقمار الاصطناعية، كما روجت خلال الشهر الماضية إلى الابتكارات الوهمية، مثل صناعة طائرات نفاثة وصواريخ خارقة وغير ذلك. بالتالي، نجد ومن خلال قراءة بسيطة للإعلام الإيراني أنه بات يعكس حالة الفشل الإيراني وقرب الانكفاء كلياً إلى الداخل. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى