fbpx

لماذا تضخ إيران ملايين الدولارات في قطاع غزة؟

لطالما كانت الأموال التي تقدمها إيران للفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة محل انتقاد من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، وكذلك بعض الفصائل التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي ترفض أي تدخل من قبل إيران أو غيرها من الدول الأخرى كقطر في الشأن الداخلي الفلسطيني، وإيصال أموال للفلسطينيين من خلف السلطة الفلسطينية. وكانت آخر تلك الأموال تقديم إيران في 18 يونيو الجاري، عبر مؤسسة تسمى “شهيد فلسطين” مبالغ مالية، لأسر شهداء حماس والجهاد الإسلامي الذين قطعت السلطة الفلسطينية رواتبهم منذ يناير الماضي، وهو الأمر الذي أثار حالةً من الغضب لدى الأخيرة والتي اعتبرت تلك الأموال بأنها مسيسة وأهدافها خبيثة. المبالغ المالية الزهيدة والتي تقدر بـ 650 ألف دولار أمريكي، وزعت عبر البنك الوطني الإسلامي التابعة لحركة حماس في قطاع غزة، على أكثر من 1500 أسرة شهيد بمعدل 400 دولار لكل أسرة، وأكدت إيران أن المبالغ المالية التي وزعت ستكون لمرة واحدة فقط. وكانت لجنة أهالي الشهداء والأسرى في قطاع غزة (مستقلة) اتهمت السلطة الفلسطينية بقطع رواتب 1700 أسرة شهيد في قطاع غزة في يناير الماضي، ولم تنجح محاولات تلك اللجنة والفصائل الفلسطينية من إعادة تلك الرواتب، كما لم تقدم السلطة الفلسطينية مبررات لأسباب قطعها. 100 مليون دولار سنوياً تقدم إيران ما يقرب من 100 مليون دولار سنوياً لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، تتوزع تلك الأموال على النحو التالي: رواتب للعناصر العسكرية لتلك التنظيمات، بالإضافة إلى صرف جزء آخر على التسليح، وكذلك رعاية أسر شهداء وجرحى تلك التنظيمات. إيصال تلك الأموال للأراضي الفلسطينية يتم بصورة سرية عبر الحوالات المالية البنكية والتي تقدم تحت ستار دعم لمؤسسات خيرية أو أهلية أو شركات وهمية، أو من خلال تهريبها في حقائب عبر حدود قطاع غزة مع مصر من قبل بعض المهربين، وهي الطريقة الأبرز كون الأموال التي يتم إدخالها تقدر بملايين الدولارات دفعة واحدة، ومن الصعب تحويلها لقطاع غزة عبر البنوك التي تشهد حالة من الرقابة الشديدة من قبل السلطة الفلسطينية. أموال مشبوهة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد رفض في مقابلة مع مرصد “مينا” ما تقدمه إيران من أموال لقطاع غزة، معتبراً أن أي أموال تدخل الأراضي الفلسطينية من خلف السلطة الفلسطينية هي أموال مشبوهة هدفها زيادة الفرقة الفلسطينية وتقوية طرف على حساب الآخر، لا سيما في ظل سعي السلطة الفلسطينية تقويض حكم حركة حماس بهدف إرغامها على تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية والذي سيطرت عليه حماس منذ عام 2007. وقال الأحمد: “لو كانت إيران صادقة في دعمها للقضية الفلسطينية لشملت تلك الأموال الضفة الغربية والقدس الشرقية فالشهداء الفلسطينيين يسقطون في كل بقعة فلسطينية، ولكن في الحقيقة إيران تقدم أموالها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لضمان ولائها”. وأوضح الأحمد أنهم أكدوا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مرات عدة أن ما تقدمه إيران دعماً ليس بريئاً، مشدداً على أن من قطعت رواتبهم من أهالي الشهداء والأسرى يجري بحث ملفاتهم للتأكد من أسباب وقفها. وشدد على أن السلطة الفلسطينية تعتبر رواتب أهالي الشهداء والأسرى خط أحمر، ودفعت السلطة الفلسطينية ثمن إصرارها على استمرار دفع رواتبهم بأن أوقفت اقتطعت إسرائيل أموال المقاصة الفلسطينية للشهر الرابع على التوالي، منوهاً إلى أن السلطة الفلسطينية ستبقى تقدم رواتب لأسر الشهداء والأسرى حتى لو لم يتبقى أي أموال في الخزينة الفلسطينية. وسبق لإيران أن أعلنت تبنيها لشهداء وجرحى مسيرات العودة نهاية العام الماضي، وهو ما جر أيضاً انتقادات لاذعة من قبل السلطة الفلسطينية التي طالبت بوقف تدفق تلك الأموال من خلفها، ما أدى إلى مهاجمة مسئولين إيرانيين للسلطة الفلسطينية، واتهموا الأخيرة بأنها تسرق الأموال التي تقدم كمساعدات للشعب الفلسطيني. تراجع الدعم الدعم المالي الإيراني لأسر الشهداء تحديداً يعود تاريخه إلى بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتتكفل إيران بتقدم رواتب كل 3 أشهر لـ 9 آلاف أسرة شهيد في قطاع غزة والضفة الغربية، تتراوح ما بين 600-300 دولار لكل أسرة شهيد، وغالبيهم ينتمون لحركتي حماس والجهاد الإسلامي. سامي أبو عيادة مدير ملف الشهداء في جمعة الأنصار الخيرية في غزة، والتي تتلقى دعمها من إيران أكد أن الدعم الإيراني لأهالي الشهداء الذي يقدم عبر مؤسسته متواصل منذ بداية الانتفاضة الثانية، مستدركاً: “إلا أن ذلك الدعم شهد حالة من التراجع في السنوات الأخيرة بسبب توجيه إيران للكثير من أموالها لسوريا واليمن”. وأوضح لمرصد “مينا” أن مؤسسته ترعى قرابة 9 آلاف أسرة شهيد في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيراً إلى أنهم يفسحون المجال لجميع أهالي الشهداء الفلسطينيين بالتسجيل عبر الموقع الإلكتروني للجمعية ولا يقتصر الدعم على شهداء فصيل معين. واستخدمت إيران دعمها المالي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي كورقة ابتزاز بعد توتر العلاقات بين الجانبين منذ اندلاع الثورة السورية، وخروج حماس من دمشق باتجاه قطر وتركيا، ومثل عام 2015، ذروة تراجع الدعم الإيراني، إذا خفضت إيران 90 بالمائة من دعمها المالي لحماس والجهاد الإسلامي. وانعكس ذلك التراجع في الدعم على الأوضاع المالية للحركتين، ما دفعهما لوقف جزء من أنشطتهما التنظيمية، بالإضافة إلى صرفهما لثلث الراتب الشهري لعناصرهما، ناهيك عن اضطراهما إلى إغلاق مؤسسات كانت تشكل عبئاً مالياً عليهما كالقنوات الفضائية والمكاتب الإعلامية، والتي كان أبرزها إغلاق حماس لقناة القدس الفضائية وتسريح العاملين فيها. ترميم العلاقة وحاولت الحركتان في الأعوام الثلاثة الأخيرة ترميم علاقتهما مع إيران في ظل رفض غالبية الأنظمة العربية التعامل مع تلك الحركتين أو دعمهما باستثناء قطر، وأعلن الحركتين انحيازهما بشكل واضح لإيران، وأكدتا أن ما تمتلكانه من سلاح وأموال في غالبيتها مقدم من النظام الإيراني. وجرت تصريحات قائد حماس في غزة يحيى السنوار نهاية شهر مايو الماضي، والتي قال فيها “إن الأمة العربية والإسلامية تخلت عنا، ووقفت إيران وحدها معنا”، حالةً من النقد الداخلي والخارجي على الحركة، والتي اعتبرها البعض تنكراً لما قدمته الأمة خلال سنوات طويلة للحركة وبدون أي مقابل بعكس إيران التي لا تقدم تلك الأموال بدون أي مقابل. تعزيز للانقسام من جانبه، اعتبر المحلل السياسي سمير عوض أن إيران لا تقدم دعمها المالي للفصائل الفلسطينية بلا مقابل، منوهاً إلى أن تلك الأموال هدفها تعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي ومحاولة تجميل صورة ذلك النظام الذي أجرم بحق السوريين واليمنيين والعراقيين وغيرهم من العرب. وطالب في مقابلة مع مرصد “مينا” النظام الإيراني بالالتفات إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة لشعبه، والعمل على معالجتها بدل أن يبدد الأموال الإيرانية في تغذية الصراعات الداخلية للدول العربية بهدف إضعافها والسيطرة عليها لاحقاً. وشدد عوض على ضرورة مواجهة التدخلات الإيرانية في الساحة الفلسطينية ومنعها من استخدام الفصائل الفلسطينية المتحالفة معها كورقة تستخدم من قبل النظام الملالي في تنفيذ مخططاتها بالمنطقة العربية. السيطرة والتوسع الهدف الإيراني من تقديم كل تلك الأموال أصبح يعرفه كل فلسطيني وعربي، فإيران تسعى لزيادة نفوذها في الأراضي الفلسطينية وصولاً للسيطرة على قطاع غزة، وجعله كباقي المناطق الجغرافية التي سيطرت عليها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، بهدف نجاح مخططها في السيطرة على المنطقة العربية. وسعت إيران خلال السنوات الماضية لقطع الطريق أمام أي تقارب بين التنظيمات الفلسطينية، وخاصةً حماس والجهاد الإسلامي مع أي نظام عربي وتحديداً السعودية والامارات، وأبدت انزعاجها من الزيارات التي قامت بها قيادة حركة حماس السابقة لتلك الدول. ولتعزيز نفوذها بشكل أكبر في قطاع غزة وتحديداً بين التنظيمات الفلسطينية سعت إيران للتدخل بصورة غير مباشرة في الانتخابات الداخلية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والتي عقدتا في 2017 و2018، وهي انتخابات أسفرت عن صعود الشخصيات التي تؤيد التحالف مع إيران، وهي ما أثار حالة من الارتياح في طهران، وسارعت الأخيرة لاستقبال تلك القيادتين في زيارات منفصلة، وأعلنت إعادة دعمها المالي والعسكري للحركتين. القضاء على منظمة التحرير عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وليد العوض، كشف في مقابلة مع مرصد “مينا” أن مجموع ما قدمته إيران لحركتي حماس والجهاد الإسلامي منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، يقرب من 2.5 مليار دولار أمريكي. واعتبر العوض أن إيران سعت من خلال ذلك الدعم المالي الكبير إلى تقوية تلك الحركتين على حساب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لتحلان محل المنظمة في تمثيل الفلسطينيين، وإفساح المجال أمام التدخلات الإيرانية في الساحة الفلسطينية. التخوفات في الساحة الفلسطينية من ذلك الدعم تصاعد في الأشهر الأخيرة، وذلك في ظل ازدياد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جانب وإيران وحلفائها في المنطقة العربية من جانب آخر، وسط توقعات أن تجبر إيران حركتي حماس والجهاد الإسلامي على التدخل العسكري من قطاع غزة في حال تعرضت إيران أو أي من حلفائها لضربة عسكرية أمريكية.

مرصد الشرق الأوسط شمال أفريقيا الإعلامي

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى