تهريب الوقود يُرهق الاقتصاد الإيراني وسط شبهات بتورط الحرس الثوري

مرصد مينا
يُواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متزايدة بسبب تصاعد ظاهرة تهريب الوقود إلى دول الجوار، في وقت تتعالى فيه الاتهامات بتورط جهات نافذة داخل النظام، بما في ذلك الحرس الثوري، في تنظيم هذه العمليات.
ووفقاً لتقارير من المعارضة الإيرانية، تُهرّب يومياً ما بين 20 إلى 25 مليون لتر من الوقود، خاصة الديزل، عبر الحدود إلى باكستان، أفغانستان، والعراق.
وتتم عمليات التهريب باستخدام صهاريج برية وسفن بحرية، وسط اتهامات بمشاركة عناصر من الحرس الثوري في تسهيل هذه الأنشطة، أو الإشراف المباشر عليها، بحسب مصادر إعلامية معارضة وتحليلات خبراء.
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد أقر، في مارس الماضي، بوجود تهريب كبير للوقود يصل إلى 20 مليون لتر يومياً، غير أنه لم يشر إلى دور الحرس الثوري، مكتفياً بالحديث عن “سلسلة نقل” غير محددة المعالم.
في المقابل، تتجنب وسائل الإعلام الرسمية الخوض في دور المؤسسات الكبرى، مركّزةً على عصابات محلية صغيرة يُزعم أنها مسؤولة عن التهريب.
وتُعد محافظة سيستان وبلوشستان المصدر الرئيسي لعمليات التهريب، حيث تنطلق منها نحو 65% من الكميات المُهرّبة، تليها محافظة هرمزغان بنسبة 15%، مع تسجيل نشاط أقل في خوزستان والمناطق الشمالية الغربية.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الفارق الكبير في أسعار الوقود، حيث يُباع البنزين والديزل في إيران بأسعار مدعومة تقل بكثير عن قيمتها في السوق الدولية، وهو ما يُغري بعض الشبكات باستغلال الفجوة السعرية، والتي تصل في بعض الحالات إلى 200 ضعف.
ويشير مراقبون إلى أن تهريب الوقود لم يعد ظاهرة فردية أو عشوائية، بل أصبح نشاطاً منظماً يمتد داخل بعض مؤسسات النظام الإيراني. ففي ديسمبر 2022، أُعلن عن اعتقال موظفين في محافظة هرمزغان بتهمة تزوير مستندات للحصول على وقود مدعوم وتهريبه.
كما شهد مايو 2021 توقيف عدد من مسؤولي قطاع النفط في سيستان وبلوشستان، للاشتباه بضلوعهم في عمليات تهريب مشابهة.
وفي عام 2023، كشف المسؤول الإيراني محمد جعفري عن أن ما يقارب 25% من وقود محطات الطاقة يُسرّب إلى شبكات غير قانونية، في إشارة إلى اتساع رقعة الظاهرة ووجود تواطؤ داخلي.
وتُعد السيطرة على الموانئ والمعابر الحدودية من أبرز عوامل تمكين بعض الجهات من تسهيل التهريب، حيث يشير خبراء إلى أن هذه السيطرة تمنح الحرس الثوري قدرة لوجستية تتيح تنفيذ عمليات نقل واسعة دون خضوع فعلي للرقابة.
ويؤكد الباحث الإيراني المعروف “غيبي” أن تهريب أكثر من 35 مليون لتر يومياً لا يمكن أن يتم دون دعم أو تغاضٍ من جهات رسمية، في إشارة واضحة إلى نفوذ الحرس الثوري في هذا الملف.
وتُظهر بعض التسريبات الإعلامية أن جزءاً من عمليات التهريب يجري عبر قنوات رسمية، أو بتغطية من مسؤولين محليين، ما يعزز فرضية الفساد المؤسسي في هذا السياق.
ويرى محللون أن استمرار هذه الظاهرة يُسهم في استنزاف الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني أصلاً من ضغوطات داخلية وخارجية متعددة، أبرزها العقوبات الغربية ونقص الاستثمارات.
كما تؤثر عمليات التهريب سلباً على توافر الطاقة داخل البلاد، وتؤدي إلى تفاقم الأعباء المعيشية للمواطنين، في ظل شح الوقود وارتفاع الأسعار في بعض المناطق.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن التصدي لتهريب الوقود في إيران يتطلب إصلاحاً هيكلياً يشمل ضبط الحدود، ومراجعة سياسة الدعم، إضافة إلى تعزيز الشفافية ومساءلة المتورطين، مهما كانت مواقعهم.
وفي ظل غياب تحرك رسمي فعّال لمواجهة هذه الظاهرة، يُحذّر مراقبون من تداعياتها المحتملة على الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي في إيران، مؤكدين أن استمرار النزيف المالي وغياب المساءلة عن ممارسات بعض الجهات النافذة، وعلى رأسها الفساد داخل الحرس الثوري، قد يؤدي إلى تفاقم معاناة المواطنين.