سيطرة المعارضة على حلب: تداعياته الإقليمية وتأثيره على معادلة القوة في سوريا
مرصد مينا
شهدت مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية والعاصمة الاقتصادية للبلاد، تطورا مفاجئا في الساعات الماضية بعد دخول فصائل من المعارضة السورية إلى معظم أحياء المدينة.
يأتي هذا الهجوم في وقت حساس، حيث تتصاعد المخاوف من تداعياته الإقليمية وما قد يترتب عليه من تغييرات في معادلة القوى في سوريا.
تفاصيل الهجوم وتوسّع الفصائل المسلحة
في الساعات الماضية، تمكنت فصائل المعارضة من دخول معظم أحياء في مدينة حلب، مثل الحمدانية وحلب الجديدة والجميلية وصلاح الدين وغيرها.
كما سيطرت الفصائل على قلعة حلب وقيادة شرطة المدينة ومبنى المحافظة ومعظم أفرع الأمن التابعة للنظام.
وقالت المعارضة إنها سيطرة على 16 حياً من إحياء المدينة، مؤكدة أنها ستعلن السيطرة على المدينة بشكل كامل خلال الساعات المقبلة.
وجاء الهجوم بعد يومين من تصعيد المعارك في ريف حلب الغربي والجنوبي، حيث استهدفت الفصائل عدة قرى وبلدات، وسيطرت على أجزاء من الطريق الاستراتيجي بين حلب ودمشق.
وفي خطوة غير مفاجئة، افتتحت فصائل المعارضة جبهة جديدة صباح الجمعة، حيث تمكنت من السيطرة على مدينة سراقب الواقعة على الأوتوستراد الدولي (M5) بريف إدلب، وهو ما يشير إلى تقدم الفصائل في المنطقة.
هوية الفصائل المشاركة في الهجوم
تختلف هويات الفصائل المشاركة في الهجوم على حلب وريفها، إذ تتوزع بين فصائل تتصدرها “هيئة تحرير الشام” (التي كانت تعرف سابقاً بجبهة النصرة) وفصائل أخرى مدعومة من تركيا (الجيش الوطني السوري)، هذه الفصائل، التي تنشط منذ سنوات في شمال غرب سوريا، أعلنت أن هدفها هو إبعاد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية وتأمين المناطق التي تسيطر عليها.
وأضافت أنها ردت على التصعيد الأخير لقوات الأسد التي استهدفت المناطق المأهولة بالمدنيين باستخدام المدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة.
رد فعل النظام السوري
في مقابل هذا الهجوم، أصدرت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري بيانين يوم الجمعة، أكدت فيهما تعرض قوات النظام للهجوم، مشيرة إلى أنها تعمل على التصدي له.
وفي بيان لاحق، أكدت أن الهجوم تشنه “التنظيمات الإرهابية المسلحة”، بما فيها “جبهة النصرة الإرهابية”، مع الإشارة إلى استخدام الفصائل المسلحة للأسلحة الثقيلة والمتوسطة والطائرات المسيرة.
اتفاقيات “أستانة”
منذ سنوات، تحكم اتفاقيات “أستانة” الوضع في شمال غرب سوريا، وهي تفاهمات تم توقيعها بين تركيا وروسيا وإيران عام 2019، ووضعت هذه الاتفاقيات حدوداً واضحة للمناطق المتنازع عليها، بما في ذلك منطقة خفض التصعيد في إدلب
لكن على مدار السنوات الماضية تعرضت تلك المناطق لقصف متواصل من قبل النظام والميليشيات الإيرانية، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى.
ويبدو أن الأخير من قبل المعارضة يضع ضغوطاً إضافية على الأطراف الضامنة لهذه التفاهمات.
المواقف التركية والروسية
في هذا السياق، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيتشيلي، أن الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المجاورة يشكل أولوية بالنسبة لتركيا، حيث أكدت أنها ملتزمة بكل الاتفاقيات المبرمة بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب.
وعلى الرغم من ذلك، حذرت تركيا من أن الهجمات الأخيرة تضعف هذه الاتفاقيات وتسبب خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
من جانبها، أكدت روسيا على ضرورة استعادة النظام السوري السيطرة على المنطقة، ووصفت الوضع في حلب بأنه “تعدٍ على سيادة سوريا”. وقال الكرملين إن موسكو تدعم استعادة النظام في المنطقة وإنهاء أي تحركات ميدانية تعرقل هذه العملية.
لكن اللافت هو شبه غياب للطيران الروسي في ظل اشتداد المعارك على مدار الأيام الماضية في محيط مدينة حلب وريف المدينة.
على الرغم أن دخول الفصائل إلى مدينة حلب كان بدون مقاومة، فيما بدا وكأنه تسليم المدينة، بحسب ما يؤكده الكثير من الخبراء العسكريين والمتابعين للوضع السوري.
الموقف الإيراني
في المقابل، اعتبرت إيران أن الهجوم الذي تشنه الفصائل المسلحة هو خرق لاتفاقيات “أستانة”، زاعمة إلى أن هذه التحركات جزء من مخطط أمريكي إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة.
وتعد إيران من أبرز الداعمين للنظام السوري في سياق حربه ضد المعارضة منذ الأيام الأولى للثورة الشعبية ضد النظام.
ولدى إيران عشرات الميليشيات من العراق وأفغانستان وغيرها تتوزع في العديد من المناطق السوري.
وتتهم المعارضة السورية النظام الإيراني في التسبب بمقتل وتشرد مئات الآلاف من المدنيين السوريين سواء من خلال تقديم الدعم لقوات النظام، أو من خلال ميليشيات تابعة لها مثل “حزب الله” اللبنانية و “النجباء” العراقية و “زينيبون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية، وغيرها.
ويبدو أن الهجوم على حلب وريفها، رغم كونه حدثا عسكرياً محلياً، لكنه يملك تداعيات إقليمية واسعة.
فعلى مستوى التحالفات الدولية، يهدد هذا الهجوم استقرار منطقة خفض التصعيد في إدلب التي تم تحديدها في اتفاقيات “أستانة” بين تركيا وروسيا وإيران.
كما يعكس تغيراً في مسار المعارك في شمال غرب سوريا ويزيد من تعقيد العلاقات بين هذه الدول.
تغيير معادلة القوة
ما أحرزته فصائل المعارضة حتى الآن داخل حلب وريفها يمثل تحولاً كبيراً في مسار الحرب السورية. ففي حال تمكنت الفصائل من السيطرة الكاملة على مدينة حلب وهو يبدو السيناريو الأقرب، سيكون ذلك أكبر تقدم لها منذ بداية الصراع في 2011.
كذلك، فإن إطلاق المعارضة معركة جديدة السبت في شرق حلب تحت اسم “فجر الحرية” وهي معركة تشارك فيها فقط فصائل من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، والاتجاه جنوبا نحو ريف حماة وإعلان محافظة إدلب بالكامل خارج سيطرة النظام، كل هذا يشير إلى أن المعركة يبدو أنها حدودها مفتوحة على الأقل نحو حماة في هذه المرحلة.
لكن في حال استمرت فصائل المعارضة في التقدم نحو حمص التي يطلق عليها “عاصمة الثورة السورية” فإن هنا يمكن القول أن الهجوم قد يؤدي إلى تغيير كبير في موازين القوى في سوريا.
كذلك، فإن الهجوم الذي بدا محدودا قد يتطور ليشكل تحولاً كبيراً في النزاع السوري. لا يقتصر تأثيره على سوريا فقط، بل يمتد إلى مستوى العلاقات بين القوى الكبرى في المنطقة مثل تركيا وروسيا وإيران.