لحظة تتحول تل أبيب إلى مُرضعة لملالي طهران
زاوية مينا
ما من قوّة مضافة للحركات الأصولية بشقها الإسلامي، كما “القوّة الإسرائيلية”، سيتضح هذا من خلال التحوّلات بالغة الدلالة التي تشهدها دول محور الاعتدال العربي، وآخر الأمثلة الصريحة يمكن قراءتها بدلالات العملية الأمنية التي نفذها الشاب ماهر ذياب حسين الجازي، وهو أردني ينتمي إلى الحويطات، القبيلة الاوسع انتشاراً وتأثيراً في الأردن، والذي تعود أصوله إلى مدينة البتراء، فيما امتداده القبلي قد يتجاوز المملكة وصولاً للجزيرة العربية، وفي نتائجها بانعكاساتها المرئية يمكن ملاحظتها بالاحتفالات التي شهدها الأردن ترحيباً بالعملية وصولاً لاعتبار منفذها “بطلاً قومياً”، استقبل جثمانه بالأرز والورود وأطباق البقلاوة، ما تسبب بإحراج كبير للعائلة الهاشمية كما للحكومة الأردنية، وبما جعل معاهدة وادي عربة كما لو في طريقها إلى الاحتضار، وهو ما سيلقى ترحيباً واسعاً من المحور الإيراني، بل انتصاراً له، الامر الذي لابد ويمهد الطريق لطريق السلاح الإيراني الطامح للاستيلاء على عمّان كما حال استيلائه على بيروت وبغداد وصنعاء، في صيغة أردنية بالغة الدقة والهشاشة معاً، دون نسيان اتصال المملكة بالجنوب السوري وقد بات طريق حرير للحرس الثوري الإيراني تحت راية فلسطين وشعارات من طراز “الطريق إلى القدس” المُستثّمر إيرانياً وصولاً للاستيلاء على الهلال المشغول عليه والذي لن يعني فلسطين بقدر ما يعني “فرسنة” المنطقة، وتقويض أي تطلعات باتجاه سلام ممكن فيما قدّمت حكومة نتنياهو واليمين الإسرائيلي كل الذرائع لقوى “ديمومة الاشتباك” بديلاً عن قوى السلام عبر ممارساتها بالغة التوحش في حربها على غزة، وهو ما جعل هزيمة السلام مؤكدة عبر تعبيرات شعبية بالغة الوضوح، وحال الأردن ليس أفضل حالاً من الحال المصري، فالمرجح أن تستمر التصريحات التحريضية التي يدلي بها السياسيون الإسرائيليون والفظائع الإسرائيلية في غزة في إثارة الغضب في القاهرة دون استبعاد أن يترجم هذا الغضب إلى شكل من أشكال المواجهة التي تعني انهيار كامب ديفيد بالرغم من العلاقات المتشابكة بين مصر وإسرائيل تشابكاً يصل إلى درجة أنه لا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة، فالبلدان يتعاونان على المستوى الأمني والاستخباراتي في سيناء وفي السياق الإقليمي الأوسع، وهما جزء من تجمع ناشئ يشبه “أوبك” لمنتجي ومستهلكي الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
مصر اليوم كما بالأمس تحتاج ان تلعب دور الداعم القوي لحقوق الفلسطينيين في قيام دولتهم الفلسطينية، كما تحتاج إلى الحفاظ على مستوى من التعاون مع تل أبيب من أجل تسهيل حصول الفلسطينيين على هذه الحقوق.
ومع ذلك، فإن استيلاء إسرائيل المحتمل على محور فيلادلفي سوف ينتهك اتفاق عام 2005 مع مصر ويمس بمعاهدة السلام لعام 1979 التي تنص على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود الشمالية لسيناء مع إسرائيل وقطاع غزة.
هذا الخرق لابد سيمنح مصر مبررا لزيادة انتشار قواتها على طول الحدود الشمالية لسيناء، الأمر الذي سيدعم سعي مصر لتعزيز الأمن في سيناء، وهو مسعى تعرقله القيود التي تفرضها معاهدة السلام على وجود القوات في هذه الأراضي المصرية.
وفي الوقت نفسه، هناك اعتقاد في القاهرة بان حكومة نتنياهو مجموعة من المتطرفين الذين يُغرقون المنطقة في حرب واسعة ستسبب الدمار للجميع، ما سيضع الحكومة المصرية بمواجهة حكومة نتنياهو فإذا لم تأخذ هذا الخيار لابد وتكون بمواجهة شارع قابل للانفجار ولابد أن يكون هذا الانفجار برعاية الحركات الإسلامية التي ستلقي رأسها على الكتف الإيراني تماماً كما حال حماس، وبالنتيجة إضرام النيران في القاهرة عبر مواجهة ما بين النظام والشارع وصولاً لاحتمالات من الصعب ردّها تستعيد عبرها قوى الإسلام الراديكالي ما خسرته أعقاب يناير وهزيمتها المدوية بسقوط سلطتها آنذاك، الامر الذي يجعل الحكومة المصرية بمواجهة خيارات بالع المنجل، فإما تدمير كامب ديفيد بما يحمل، وإما مواجهة الشارع الغاضب، وبالنتيجة انتصاراً للمحور الإيراني الذي لابد ويستثمر في هذا المخاض.
سلطة الملالي التي اوشكت على السقوط عبر الشارع الإيراني، تستعيد استثماراتها اليوم، وبرأسمال إسرائيلي يمنحها كل أسباب العودة إلى الحياة.
كلما ارتفع منسوب التوحش الإسرائيلي في غزة، ارتفع رأسمال الملالي على الطرف الآخر حتى باتت القاعدة:
ـ دلالة طهران في تل أبيب.
وبالنتجية:
ـ إسرائيل هي المُرضعة مدرارة الحليب، لطهران بشهيتها التي لاتعرف الحدود.