هل تطل المذيعة على مشاهديها لتنبئهم أن البقرة بلا حليب؟
العالم منشغل بأوكرانيا، والشرق الأوسط اليوم ليس خبرًا اوليًا ولا ثالثيًا ولا حتى هامشيًا بل هو في حال من الغياب الذي يعني الغيبوبة في الحدث العالمي الاكبر، أما الإيرانيون، فلابد ويشتغلون اليوم على استعادة “نشرة الاخبار” الدولية، والصواريخ التي استهدفت السفارة الامريكية في اربيل، تشتغل على هذا، ومع ذلك مازالت إيران خبرًا ثانويًا في نشرات المذيعات المبتسمات.
وحدها الصحافة الإسرائيلية، كانت قلقة من الحدث، وكانت قد اعتبرته حدثًا “يجب أن يُشغل”، حتى أن صحيفة “إسرائيل اليوم” خصصت مقالًا ابتدأت فيه بـ “ينبغي”، ولكن ما االذي “ينبغي” هذا؟
“ينبغي أن نأخذ إيران على محمل الجد حين تدعي بأن الصواريخ التي أطلقتها فجراً كانت تستهدف منشأة إسرائيلية سرية في المنطقة الكردية شمالي العراق. وكما نشر غير مرة في الماضي، فإن الموساد نشط في هذه المنطقة، وقد يكون الإيرانيون سعوا للمس به رداً على قتل رجلي الحرس الثوري الأسبوع الماضي، في أثناء هجوم لسلاح الجو في دمشق”.
وبعد ينبغي المطولة تلك، كتبت “لإيران حساب مفتوح طويل مع إسرائيل، يتعلق أساسه بآلاف الهجمات التي نفذت ضد تهريب الوسائل القتالية ومحاولات تموضع الميليشيات الشيعية في سوريا، ولكن له أسباباً أخرى – من الرغبة في الانتقام لتصفية مسؤول المشروع النووي محسن فخر زادة، السنة الماضية، وحتى الجهد الإيراني لرد إسرائيل من مواصلة الأعمال ضدها”.
صحيح أن إيران عملت عدة مرات في السنوات الأخيرة ضد ما شخصته كأهداف إسرائيلية (سفن مدنية بملكية إسرائيلية أساساً)، ولكن إطلاق الصواريخ على اربيل هو ارتفاع مقلق في أعمالها.
هذا الأمر يشهد على ثقة عالية لدى طهران بنفسها، نتيجة ضعف الغرب في محادثات النووي والحرب الدائرة في أوكرانيا التي تصرف الاهتمام العالمي، وربما على إحساس حصانة معينة.
وجراء ذلك، تسمح إيران لنفسها بأن تكون أكثر عدوانية من الماضي، سواء في شكل الرد أم في الكشف عنه. فإطلاق الصواريخ الدقيقة نحو منشأة اربيل يستهدف جباية ثمن في الأرواح؛ ولكونها أطلقت من الأراضي الإيرانية – التي لم تحاول إخفاء ذلك، بخلاف الماضي– فهذا يدل على أنها أزالت عنصراً مهماً عن نفسها تميزت به أعمالها حتى الآن.. لا مزيد من الاستعانة بالمنظمات الفرعية على أنواعها للعمل ضد إسرائيل، أو الاختباء من ورائها، بل أعمال علنية، تحت علم إيراني، في ما يبدو كاستفزاز علني.
سطحياً، هذا تطور سيئ؛ فإيران خصم خطير أكثر بكثير من “حزب الله”، والجهاد الإسلامي، والحوثيين والميليشيات الموجودة في العراق وسوريا كلهم معاً. فلها ترسانة مبهرة من الوسائل القتالية، وإضافة إلى الدافع والوقاحة –ومع إزالة القيود عن أعمالها – فإنها عدو خطير لا يستخف به، خصوصاً حين البحث عن جباية ثمن من إسرائيل بكل وسيلة، وتقريباً على كل نقطة في المعمورة.
هذا التصعيد في حرب طويلة السنين بين إسرائيل وإيران كان متوقعاً، كما كان واضحاً بأن من شأن الاتفاقات المتوقعة حول الاتفاق النووي ستسرعه؛ لأن إيران ستشعر بأنها قوية وأكثر تحرراً مما كانت في الماضي. في ميزان القوى والمصالح العالمي، لا يبدو أن هناك قوى دولية ذات قدرة أو رغبة في منع هذا التطور، ما يترك إسرائيل وإيران في الساحة وحدهما لحرب عديمة الحدود تنتقل إلى مستويات علنية وعنيفة أكثر مما في الماضي.
مالم تتساءل عنه الصحيفة:
ـ هل سيكون الصيف الآتي صيفًا إسرائيلياً ـ إيرانيًا، تطل فيه المذيعة المبتسمة لتنقل عن مراسلها في تل أبيب:
ـ صواريخ إيرانية تهطل على حدائق البهائيين في حيفا وتعطل السياحة فيها؟
لِمَ لا؟
العالم بلا حروب كما البقرة بلا توالد.
يعني بلا حليب.