أردوغان.. الخفي من الجليّ في الحرب الأوكرانية
وقد وصلت التوترات إلى الضغط على الزناد في المسألة الاوكرانية، يأتي السؤال التالي:
ـ أين ستكون تركيا من الحرب إذا وقعت؟
هو سؤال جدّي، ولكن ثمة مايمكن قوله وكان سونر چاغاپتاي وهو من الباحثين الأساسيين في معهد واشنطن للشرق الأدنى قد أفرج عن اعتقاده بأنه “بغض النظر عن المخاوف المحيطة بشبه جزيرة القرم، سيبقى أردوغان حذراً في ردود فعله على تحركات بوتين بشأن أوكرانيا”، أما المرجّح فهو ” أن يبتعد أردوغان عن أي إجراءات قد يُنظر إليها على أنها تتحدى علانية وعسكرية لسياسة روسيا”.
ما مرد ذلك؟
ينبع هذا الحذر جزئياً من التحديات المتعددة التي يواجهها أردوغان في الداخل. فالاقتصاد التركي يعاني صعوبات بسبب جائحة فيروس كورونا وسوء الإدارة المالية للحكومة، وعلى الصعيد السياسي، تتراجع قاعدة دعم أردوغان بعد عقدين من الهيمنة، بينما تزداد المعارضة حدّة وارتفاعًا، علاوةً على ذلك، أدّت الصراعات في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز إلى جعل أنقرة معرضة بشكل متزايد لتقلبات الكرملين.
وبالفعل، يتمتع بوتين بعدد من العوامل المساعدة الفعالة التي يمكنه استخدامها ضد أردوغان على الفور إذا اتبعت أنقرة سياسة متقدمة تجاه أوكرانيا، على سبيل المثال، بإمكانه فرض مقاطعة سياحية، فلطالما كان الروس يشكلون جزءاً كبيراً من السياح في تركيا قبل الجائحة، وأردوغان بحاجة إلى موسم سياحي قوي هذا الصيف لمساعدة الاقتصاد على الانتعاش، ويمكن للعقوبات التجارية الروسية أن تعرقل انتعاش تركيا أيضاً، مما ينهي بشكل أساسي احتمالات فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية لعام 2023.
على صعيد آخر، بإمكان بوتين منح نظام الأسد الضوء الأخضر لمهاجمة معقل المعارضة في محافظة إدلب، الأمر الذي قد يهدّد بتدفق 2-3 ملايين لاجئ آخر عبر الحدود إلى تركيا، التي تستضيف أساساً ما يقرب من 4 ملايين سوري. ونظراً إلى ازدياد المشاكل الاقتصادية وتنامي المشاعر المعادية للاجئين في تركيا، لن يتمكن أردوغان من تجاوز الصعوبات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن تدفق جماعي آخر للاجئين.
وفق قراءة سونر چاغاپتاي ” بإمكان الرئيس الروسي عرقلة الاتفاقات الهشة لوقف إطلاق النار بين الحلفاء الروس والأتراك في ليبيا وجنوب القوقاز، مقوّضاً بذلك الصورة التي كوّنها أردوغان لنفسه محلياً كوسيط قوة عالمي”.
في الخلاصة إذا غزت روسيا أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تكون تركيا في طليعة أي تحالف غير أنه يمكن لواشنطن أن تتوقع من أردوغان توفير مساعدة عسكرية وراء الكواليس وغيرها من أشكال الدعم إلى كييف.
يبدو أن أكثر نقاط الضعف المباشرة لأنقرة أمام الضغط الروسي هي تدفقات اللاجئين المحتملة من إدلب، وإذا وفرت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون ضمانات حاسمة بأنهم سيقاومون أي اعتداء شامل ينفذه نظام الأسد ضد هذه المحافظة، فمن المرجح أن توسع تركيا دعمها لجهودهم لمواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا.
كل ماسبق قد يحرم أردوغان من أن يكون له “قرص” في هذا العرس، غير أن الأقراص ليست مفضوحة وصريحة في كل الأحوال، فالأتراك اليوم قادرون على لعب دور “حربي” إذا ما انتهت الأحوال إلى الحرب في أوكرانيا، والدور تحت السجّادة قد يكون أفعل مما هو فوقها وكان ابن عربي قد قالها “الخفيّ في الجليّ”، وثمة الكثير من الخفيّ في المشهد التركي، وقد يمكن إحالته إلى الدور القطري وقد باتتت قطر “حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا” للناتو حسب قول جو بايدن عند استقباله لأمير قطر، والكل يعلم أنه بات رئيسيًا بعد سحب بساط “الغاز” السائل من يد الروس حين تعهدت قطر للمجموعة الأوروبية بإمدادها بالغاز القطري فيما لو أغلق صنبور الغاز الروسي، وليس ثمة مسافة مابين قطر وتركيا، فكلاهما حليفين رئيسيين يشتغلان لدى المرضعة نفسها ونعني جماعة الاخوان المسلمين.
حتى اللحظة، ليس ثمة صورة واضحة للدور التركي في المسألة الأكرانية، غير أن دورها لابد وسيكون استكمالًا للدور االقطري.
ـ ماهو الدور؟
حتمًا لن يكون على ظهور الدبابات.
ثمة الكثير مما يمكن أن تقدمه تركيا من حصتها في الحرب إذا ماوقعت.
ويبقى “الخفيّ في الجليّ” هو الأهم.
ما يلفت في الأمر، هو “دور اللاجئين السوريين” الذي سيكون في الاستثمار الروسي.
لاجؤون وقد باتوا جزءًا من العتاد الروسي، بمواجهة تركيا وقد استثمرت فيهم كعتاد فيما سبق.