fbpx
أخر الأخبار

أزمة السكن في ألمانيا: عائق أمام جذب العمال المهرة

مرصد مينا

تواجه ألمانيا نقصاً متزايداً في قطاع الإسكان، وهو ما ينعكس بشكل واضح على سوق العمل. أزمة السكن في البلاد لا تقتصر على توفير مساحات للعيش فقط، بل تساهم في تعميق نقص العمال المهرة، مما يعوق قدرة الشركات على جذب الكفاءات.

في هذا السياق، بدأت بعض الشركات في اتخاذ تدابير استثنائية مثل بناء أو تأجير مساكن خاصة بالعمال لتلبية احتياجاتهم. فهل تستطيع هذه الإجراءات أن تحل الأزمة السكنية وتضمن استمرار النمو الاقتصادي في البلاد؟

أزمة السكن تزيد من صعوبة جذب العمال المهرة

في مدينة ميونيخ الألمانية، تُعاني العديد من الشركات من صعوبة بالغة في العثور على عمال مهرة بسبب أزمة السكن التي تفاقمت في السنوات الأخيرة.

المدينة التي تعد من أكثر المدن ازدحاماً في ألمانيا، تشهد نقصاً شديداً في المساكن بأسعار معقولة.

وتعد الوظائف المتاحة في قطاعات مختلفة مثل النقل العام، الهندسة الكهربائية، والصيانة الفنية، من بين الوظائف الشاغرة التي يعاني العديد من أصحابها من صعوبة في شغلها بسبب هذه الأزمة.

كما يشير بيرنارد بويك، من شركة المرافق البلدية في ميونيخ، إلى أن محاولات الشركات لتوظيف العمال المهرة كانت تواجه دائماً تساؤلات عن توافر السكن، وهو ما يعكس الواقع الصعب للبحث عن منزل مناسب في المدينة.

الشركات تتبنى حلولاً سكنية لموظفيها

إزاء صعوبة العثور على سكن بأسعار معقولة، بدأت بعض الشركات الألمانية في اتخاذ خطوات لحل هذه المشكلة من خلال توفير مساكن خاصة للعاملين لديها.

على سبيل المثال، تقوم شركة المرافق البلدية في ميونيخ بإنشاء شقق سكنية مخصصة للعاملين لديها، حيث تم بناء نحو 1500 شقة سكنية حتى الآن، مع خطط لزيادة هذا العدد إلى 3000 شقة بحلول عام 2030.

هذه المبادرة تهدف إلى جعل التوظيف في ميونيخ أكثر جذباً للعمال، خاصة وأن مشكلة الإيجارات المرتفعة تعد من أكبر العوائق أمام جذب المهارات من خارج ألمانيا.

وتوضح الشركة أن توفير عقد إيجار مرفق مع عقد العمل يعد من العوامل الجاذبة التي تساهم في جذب الموظفين.

أزمة السكن تهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي

لم تقتصر تأثيرات أزمة السكن على سوق العمل فقط، بل امتدت لتشمل الاقتصاد الألماني بشكل عام، والذي يعد أكبر اقتصاد أوروبي وثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة والصين.

ووفقاً لتقارير مجلس الخبراء الاقتصاديين، فإن الوضع الحالي في سوق السكن يعيق النمو الاقتصادي في البلاد. إذ يعاني الأفراد من صعوبة في الانتقال إلى مناطق توفر فرص عمل أفضل بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع التنقل الوظيفي والتأثير سلباً على معدلات الإنتاجية.

كما أظهرت دراسة لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” أن 80% من الشركات الألمانية تجد أن أزمة السكن تزيد من صعوبة استقطاب العمال المهرة، وهو ما يشكل تهديداً للمستقبل الاقتصادي للبلاد.

تاريخ الطويل للأزمة

لم تكن مشكلة توفير السكن للعاملين في ألمانيا قضية جديدة. فقد كان توفير المساكن للعمال أمراً تقليدياً منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث كانت الشركات الكبرى مثل “كروب” تبني آلاف المنازل لتلبية احتياجات العمال.

كما قامت العديد من الشركات الأخرى، مثل شركات السكك الحديدية ومناجم الفحم، بإنشاء مجمعات سكنية للمساكن ذات الأسعار المعقولة.

لكن مع بداية القرن العشرين، ومع ازدياد عدد العمال وتغير الأوضاع الاقتصادية، تم بيع العديد من هذه العقارات، مما أدى إلى تقليص فرص السكن الميسر للعمال.

هل يكفي بناء المزيد من الشقق؟

في السنوات الأخيرة، كان من المفترض أن تساهم الحكومة الألمانية في بناء 400 ألف وحدة سكنية جديدة سنوياً لتلبية الطلب على المساكن.

مع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية التي تمثلت في ارتفاع تكاليف البناء، التضخم، وارتفاع أسعار المواد الخام، أدت إلى صعوبة الوفاء بهذه الوعود.

في عام 2022، تم بناء 295.300 شقة فقط، وهو ما يمثل أقل من الهدف المخطط له.

ويشير الخبراء إلى أن هناك فجوة سكنية تقدر بحوالي 800 ألف شقة في البلاد، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع.

الشركات والحكومة في مواجهة الأزمة

في الوقت الذي تواصل فيه الشركات محاولاتها لتوفير السكن للعاملين من خلال مشروعات بناء أو تأجير شقق، تحاول الحكومة الألمانية أيضاً تقديم حلول للأزمة. حيث قامت الحكومة بتوسيع برامج الدعم المالي، مثل القروض الرخيصة والإعانات المالية عبر بنك صندوق التنمية وإعادة الإعمار (KfW).

كما تم إدخال بعض الحوافز الضريبية لتشجيع الشركات على الاستثمار في قطاع الإسكان.

ومع ذلك، تبقى الأزمة قائمة، مما دفع العديد من النقابات العمالية إلى المطالبة بفرض قوانين تلزم الشركات ببناء مساكن خاصة بالعمال عند الانتقال إلى المناطق.

خطر تفاقم الأزمة

هناك مخاوف متزايدة من أن تزايد شراء الشركات للعقارات السكنية وتأجيرها للعمال قد يؤدي إلى تفاقم أزمة السكن في ألمانيا.

وإذا استمرت الشركات في امتلاك أو تأجير الشقق بدلاً من دعم بناء وحدات سكنية جديدة، فقد يصبح العرض العقاري أكثر شحاً، مما يزيد من تعقيد المشكلة.

نتيجة لذلك، يدعو اتحاد نقابات العمال الألمانية إلى اتخاذ إجراءات قانونية صارمة تلزم الشركات ببناء مساكن جديدة بدلاً من الاعتماد على شراء أو استئجار العقارات القائمة.

مستقبل أزمة السكن في ألمانيا

رغم الجهود المستمرة من قبل الحكومة والشركات لمواجهة أزمة السكن، يظل الوضع صعباً، حيث تطالب النقابات العمالية بضرورة قيام الحكومة بتوفير المزيد من المساحات للبناء، بالإضافة إلى تشجيع الشركات على تحمل مسؤولياتها في تحسين الوضع السكني.

إذ يرى العديد من الخبراء أن أزمة السكن ليست مجرد مشكلة اجتماعية، بل هي مسألة اقتصادية تؤثر على مستقبل البلاد، وبالتالي يجب أن تكون جزءاً من أجندة الإصلاح الاقتصادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى