أزمة مستشفيات ودواء.. تحذيرات من عنف اجتماعي في لبنان
مرصد مينا- هيئة التحرير
بينما يواصل أطباء ومستشفيات لبنان، توقفهم عن العمل الذي بدأ يوم الاثنين الماضي، احتجاجاً على حكم صدر في قضية الطفلة “إيلا طنوس”، التي فقدت أطرافها الأربعة نتيجة خطأ طبي في عام 2015، تعود أزمة انقطاع الأدوية، لتلوح في الأفق في ظلّ امتناع شركات ووكلاء عن تسليم الأدوية للصيدليات بانتظار رفع الدعم عنها وبيعها بأسعار مرتفعة، خاصة أن هذه الأدوية ترتبط بشكل أساسي بأمراض مزمنة، منها الضغط، القلب، السكري، كما تكشف مصادر لبنانية.
ويشكو مواطنون لبنانيون من رفض المستشفيات استقبالهم رغم أنهم يعانون من مشاكل صحية تتطلب المتابعة الدورية بحجة أنهم ليسوا من الحالات الطارئة، معبرين عن صدمتهم من إضراب الأطباء والمستشفيات، في حين يقول آخرون إن حصول المريض في لبنان على أدويته متوقفاً على “الحظ”، بعد جولة على عدد كبير من الصيدليات، معبرين عن خشيتهم من انفجار أو عنف اجتماعي، يؤدي إلى ثورة جياع في البلاد التي تعاني أزمات متعددة.
أزمة الدواء إلى تفاقم
توسعت أزمة فقدان السلع ووصلت إلى الأدوية ، حيث أقفلت الصيدليات في منطقة النبطية أبوابها احتجاجاً على عدم تزويدها بالأدوية اللازمة من قبل الشركات، كما أقفلت صيدليات في صيدا أبوابها، بسبب عدم تسلم أصحابها الحد الأدنى من حاجاتهم من الدواء وحليب الأطفال من الوكلاء والمستودعات.
مصادر محلية أفادت بأن أزمة انقطاع الأدوية عادت لتلوح في الأفق في ظلّ امتناع شركات ووكلاء عن تسليم الأدوية للصيدليات بانتظار رفع الدعم عنها وبيعها بأسعار مرتفعة، وهذه الأدوية ترتبط بشكل أساسي بأمراض مزمنة، منها الضغط، القلب، السكري.
على إثر ذلك، أعرب مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ “عبد اللطيف دريان” في خطبة عيد الفطر الخميس، عن خشيته من انفجار أو عنف اجتماعي، يؤدي إلى ثورة جياع، كما شن هجوماً عنيفاً على المسؤولين، قائلاً، إنهم خذلوا مواطنيهم خذلاناً شديداً، وأكد أن “الشخصانية والأنانية” أحبطت المبادرات الداخلية والخارجية لتشكيل الحكومة.
شركات الادوية “تشدّ الخناق“
قبل نحو تسعة أشهر، وتزامناً مع بداية التلويح برفع الدعم عن الاستيراد، بدأت شركات الأدوية المستوردة تقنيناً في تسليم الأدوية إلى الصيدليات، وبات حصول المريض في لبنان على أدويته متوقفاً على “الحظ”، حسبما تكشف الصيدلانية “ميساء محمد” لمرصد “مينا”، مشيرة إلى أن سبب انقطاع الأدوية يعود لمواصلة الشركات تشديد الخناق على الصيدليات عبر تسليمها بعض الأدوية بـ”القطارة” أو الامتناع كلياً عن التسليم.
وأضافت بأن “بعض الوكلاء يسلّمون علبة واحدة فقط من كل دواء لكل صيدلية مرضيّ عنها من قبل هؤلاء، فيما تُحرم الصيدليات النائية حتى من نظام العلبة الواحدة”، لافتة إلى أن بعض الشركات تسلم منتجاتها من أدوية القلب والضغط السكري، الى الصيدليات والمستودعات في مختلف المناطق، باستثناء صيدليات منطقة بعلبك والبقاع الشمالي.
الكرة بملعب المصرف المركزي
رئيس نقابة مستوردي الأدوية “كريم جبارة” كشف في تصريحات صحفية سابقة، أن الشركات عمدت منذ بداية الأزمة الى اعتماد تسليم كل صيدلية عدداً محدداً من الأدوية بناءً على حاجاتها، لكن سُجّل “طلب غير طبيعي” ناجم عن التهافت، ما عزّز انقطاع الأدوية.
وبحسب “جبارة” فإن هناك “عاملين طارئين” أسهما في إحداث “بلبلة كبيرة”، أولهما هو تردد الشركات المصدّرة في إرسال البضائع الى لبنان بعد تزايد الحديث عن إفلاس الدولة والعجز عن تسديد الفواتير.
أما الثاني، فهو قرار مصرف لبنان فرض الموافقة المسبقة قبل تسيير المعاملات، مشيرا إلى أن شحنات كثيرة من الأدوية كانت الشركة قد استوردتها قبل صدور قرار مصرف لبنان لا تزال عالقة ولا يمكن تصريفها بانتظار الحصول على الموافقة.
ويؤكد “جبارة” أن هذا الأمر التقني أدى الى امتناع الموردين عن تسليم بعض المستودعات التي يتضاءل مخزونها يوماً بعد يوم وأن ضخ الأدوية المزمنة في السوق رهن موافقة مصرف لبنان حالياً، مشيرا إلى أنه لا يستبشر خيرا بـ”الوضع السيّئ ما لم يتم التوصل الى حل سياسي”.
إضراب الأطباء يضاعف المعاناة
يشتكي لبنانيون من رفض المستشفيات استقبالهم رغم أنهم يعانون من مشاكل صحية تتطلب المتابعة الدورية، معبرين عن صدمتهم من إضراب الأطباء والمستشفيات، رغم أنّ هناك طرقاً أخرى للردّ على الحكم القضائي مع النأي بالمرضى عن الخلافات والتجاذبات.
وكان أطباء ومستشفيات في لبنان، دخلوا يوم الاثنين الماضي، في إضراب عن العمل وذلك على إثر حكما صدر مؤخرا عن محكمة استئناف الجنح في بيروت، يلزم مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت ومستشفى سيدة المعونات في جبيل، والطبيبَيْن “عصام معلوف” و”رنا شرارة”، بدفع مبلغ تسعة مليارات ليرة لبنانية، أي ما يقرب 6 ملايين دولار، للطفلة “طنوس”، كبدل عطل وضرر، بالإضافة إلى دخل شهري مدى الحياة يقدر بأربعة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، ولكلّ من الوالدَيْن مبلغ 500 مليون ليرة لبنانية.
وتطالب نقابة الأطباء، ومعها المستشفيات، بإبطال مفعول الحكم، وإنشاء هيئة مختصّة بالأمور الطبية في القضاء لدرس هذا النوع من الملفات عند حصول مشاكل، وقالت نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان: “لن ندخل في سجال إذا ما كان هناك خطأ طبي أم لا، فالآراء متعددة ومختلفة، إنما في مطلق الأحوال، فإن المبالغ التي حددها الحكم كتعويضات شخصية مبالغ فاحشة، ولا تتناسب مع الواقع اللبناني، ولا مع واقع القضية”.
الأطباء اللبنانيون يرون أن الحكم الصادر عن محكمة الجنح قاسيا، مطالبين بالتراجع عنه، في حين قال نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، “سليمان هارون”، إنّ “قرار التوقف عن العمل مستمرٌّ حتى يوم الاثنين المقبل، أما المحامون فسيتقدّمون بطلب تمييز الحكم الصادر، وفي حال قبوله سننتظر النتيجة، وإذا تم رفضه سنبحث الموقف المناسب والخطوات اللاحقة”.
كما يشدد “هارون” على أن الحكم الصادر في قضية الطفلة “طنوس”، مجحف، وظالم، ويشكل سابقة خطيرة، فالمستشفيان قاما بواجباتهما على أكمل وجه من دون تقصير.
ويضيف، “لا ذنب للمستشفيين والطبيبين في المضاعفات في حالة نادرة بهذه الصعوبة، المضاعفات إن حصلت وأدت إلى عطل دائم من دون وجود خطأ طبي يعود للدولة أداء دورها فيها على الصعيد المالي، وليس المستشفيات التي تعاني أصلاً من أزمة حادة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وغلاء المستلزمات والمعدات الطبية، وفي حال استمرّ القرار سنصل إلى عدم قبول الأطباء والمستشفيات حالات صعبة أو حرجة.
استهداف القطاع الطبي
في تعليقه على الحكم الصادر في قضية الطفلة “إيلا طنوس”، يرى الطبيب “عماد الحلبي” وهو أحد الأطباء المضربين عن العمل أن قرار المحكمة غير عادل ومن شأنه أن يسهم في خلق أزمة صحية جديدة في لبنان، من خلال رفض الأطباء استقبال حالات صعبة ومعقدة ما يعني أن نسبة كبيرة من المرضى في لبنان، سيضطرون للسفر خارج البلاد من أجل العلاج وهذا ما يشكل عبء جديدا على نسبة كبيرة منهم.
بالإضافة إلى ذلك، يشير “الحلبي” إلى أن تجاهل القضاء اللبناني لمطالب الأطباء ستدفعهم للالتحاق بمن سبقهم للعمل خارج البلاد، مؤكدا أن القرار القضائي الصادر عن المحكمة يندرج تحت استهداف القطاع الطبي اللبناني الذي فقد اكثر من 1000 خلال الأشهر الستة الماضية.
يشار إلى أن نقيب الأطباء في لبنان “شرف أبو شرف”، كان كشف في وقت سابق أن “أن 1200 طبيب غادروا لبنان في الأشهر الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة”.