أطفال سوريا ما بين “يامسهرني” و “اكسير الشجاعة”
“الشعلة” لمناطق النظام، و”الكبتاغون” من حصة الفصائل المسلحة، والطفولة في سوريا، تائهة ما بين موت وموت.
على الضفة الأولى، لم يعد مشهد طفل مرمي على الرصيف في غيبوبة مشهدًا يثير الدهشة أو الأسى، فعشرات مقاطع الفيديو تسجل لأطفال تلك الغيبوبة في مستنقعات التشرد وقد أدمنوا شم مادة “الشعلة”، وهي الغراء اللاصق للأحذية في بلد بات ناسها شبه حفاة.
ـ أنا ولد مشرد.
كلمة تسمعها من طفل يستلقي إلى رصيف في بابا توما، وقد يكون الطفل منحدرًا من غوطة دمشق حيث النزوح والتهجير، و… ليس وحده.
أطفال ينتشرون في الحدائق، ينامون تحت الجسور وفي الحاويات، ويلتقطون الغيبوبة من غياب أسباب الحياة.
الأطباء يقولون في وصف الشعلة أنها ” الغراء اللاصق الذي يحوي مواد كيماوية طيّارة، تنتمي إلى مجموعة من المذيبات العضوية، تلك المواد تسبب تأثيرات عصبية مباشرة، من بينها الشعور بالفرح والنشوة واللامبالاة”.
ويتابعون “تلك التأثيرات، التي تستمر مدة زمنية تتراوح بين نصف ساعة إلى ساعة، تدفع الطفل، وحتى البالغ، إلى تكرار عملية الشم بعد زوال شعوره بالنشوة، ما يعني أن إدمان مادة الغراء هو إدمان نفسي أكثر ما هو كيماوي”.
هذا حال أطفال مشردين بلا أهل أو مجهولي النسب، ومن باتوا بلا أهل قد يزيدون عمن لهم أهل، ومن لهم أهل ليس لهم من الخبز ما يكفي ومن الأمل ما يعين.
أجيال “الشعلة”، تملأ الأرصفة حتى بات المارون يتعثرون بأجسادهم.. هذا هو الحال.
ثلث أطفال الأرياف تسربوا من المدارس، هذا ما تفيد به إحصائيات وزارة التربية السورية ولم يعد من معنى لقانون التعليم الإلزامي حتى .
يتساوى في ذلك ضفتي الحياة السورية، ونعني مناطق “سطوة النظام” ومناطق “سطوة المعارضة”.
في مناطق المعارضة، ثمة ما يفيض عن “الشعلة” فهناك ابتكارات أرفع شأنًا مثل ” يامسهرّني والصاروخ وقاهر الامتحان”، وتطالعنا صحف وازنة عن اعتقال متاجرين ومُصنّعين لهذه “الماركات” التي تنتمي بمجملها للـ “كبتاجون”.
صحيفة ليبراسيون الفرنسية، Libération، كانت قد نشرت تقريرا حول “الكبتاجون” أو “فينيثايلين”، يتم صنعه في لبنان خاصة، ويتميز بتوفيره “لحالة من الهدوء والثبات لمتعاطيه” وأن هذا “النوع من المخدّرات كان يُستعمل كدواء، حيث أن “مستهلكه هو الشخص الذي يعاني من اضطراب فرط النشاط، الخدار، الإجهاد، الاكتئاب، ومتلازمة ما بعد الصدمة أو الاضطراب العقلي”، غير أنه أصبح يُباع بكميات وافرة في مناطق “جبهة النصرة” و “داعش” ومناطق ”العمليات الإنغماسية”، ويزوع ما بين “أطفال” و “شباب”، حتى بات اسمها:
ـ حبوب الحرب السورية.
“حبوب الحرب السورية” كما لقبته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي BBC، وهو “ما يمكّن تنظيم داعش وغيرها من الجماعات المسلحة وبارونات الحروب، من ضمان مصدر تمويل ذاتي من جهة، نحو 300 مليون دولار سنوياً، والاطمئنان على مردود مسلحيهم، وبالأخص انتحارييهم، من جهة أخرى”.
في ذات السياق وفي تحقيق أجرته صحيفة “لونوفل أوبسرفاتور الفرنسية، Le Nouvel Observateur، تحت عنوان “الكبتاجون.. الجرعة السحرية للجهاديين”، أشارت الصحيفة إلى أن “مُقاتلي تنظيم داعش يتعاطون الكبتاجون، كما أنه يشكّل مصدر دخل للتنظيم، مشددة على أنهم ليسوا الوحيدين الذين يلجؤون إلى هذا المخدّر المنشط، فعلى الجبهة السورية، يتناول مسلحو جبهة النصرة وجنود الجيش السوري الحر أيضا نصيبهم من “إكسير الشجاعة”.
ما بين “يا مسهرني” و “اكسير الشجاعة”، ثمة جيل اسمه “جيل الحرب”.
قضية لاتقل شأنًا عن إعادة إعمار المدن المدمرة، أقلّه تستحق النظر إليها باعتبارها :
ـ قضية.
من سينظر اليها اليوم؟
جماعة “يا مسهرني” والمنتمين إلى فساد أجهزة النظام، لابد منشغلين بالسطو على ممتلكات الناس، والتغوّل في قتل الناس، و”جماعة” اكسير الحرب يتربحون من منتجاتهم التي تعود عليهم بملايين الدولارات.
ما يتبقى هو:
ـ الأيام.
أية أيام مقبلة ستحملها بلاد من لم يمت فيها بالرصاص مات بالسم الزعاف؟