أيها الأكراد.. المغادرة أو الموت
كان بالغ الإثارة ذاك التقرير الذي أعدته الاندبندنت، ليست تلك الإثارة المتولدة من غرابة العنوان:” عليكم أن تغادروا.. إن وجدوكم سيقتلونكم”، بل من الحقائق التي أوردها التقرير وهي مدعمة بالوثائق، والحقائق، ومن بين الحقائق التي أوردها التقرير أن “عرب الشمال السوري كانوا يحذرون مواطنيهم من الأكراد بهذا الكلام الريح:
ـ إن وجدوكم سيتقتلوكم.
ولكن من سيقتل من؟
يقول التقرير وبكل الوضوح إن القاتل هو ” الفصائل المدعومة من تركيا عقب بدء الهجوم في شمال سوريا”.
ما الذي سينتج عن مثل هذا؟
ما سينتج أن الذين غادروا مؤقتا على أمل الرجوع إلى منازلهم، لم يعد بإمكانهم ذلك، والسبب أنهم أكراد بحسب تقرير لصحيفة “ذي إندبندنت”.
وقالت الصحيفة إن التطهير العرقي بات حقيقة في “منطقة تركيا الآمنة” شمالي سوريا، فيما بات الأكراد يعتقدون أن هذا هو الهدف من العملية، ودون شك فقد وضعت الصحيفة كلمة “آمنة” بين ظفرين، ربما للمفارقة التراجيدية السوداء.
لم تخفِ الفصائل الموالية لتركيا جرائم القتل التي ارتكبتها في سوريا، وكانت منذ البداية توثقها بفخر واضح.
وأظهرت مقاطع مصورة للفصائل المدعومة من تركيا عمليات إعدام، وتشويه جثث، وتهديدات ضد الأكراد ونهب أملاكهم.
ووفقا لتقرير الصحيفة فقد أدى البعد العرقي للكثير من الجرائم، إلى نزوح جماعي للأكراد والأقليات الدينية من هذه المناطق الحدودية التي كانت في السابق مختلطة.
ويخشى الذين تقطعت بهم السبل في مخيمات النازحين عبر شمال شرق سوريا وفي العراق المجاورة، من أنهم قد لا يتمكنون من العودة إلى ديارهم أبدا. وهذا، كما يعتقدون، هو بالضبط هدف المعتدين.
ويقول محمد أمين للصحيفة، وهو رجل كردي فر مع عائلته من مدينة رأس العين في الأيام الاولى من العملية التركية، “لا يمكن لأحد أن يعود إلى هناك الآن، إنه أمر مستحيل”.
وأضاف للصحيفة، في مخيم بالقرب من مدينة تل تمر السورية، “لقد شاهدنا الفيديوهات”. وتابع “إنهم يطلقون النار على الأكراد أينما عثروا عليهم”.
القصة نفسها على لسان كل الأكراد
القصة نفسها يرويها عدد لا يحصي من آخرين مثل أمين، في المخيمات والملاجئ المؤقتة التي انتشرت في الشهرين الماضيين. والكل يرسم صورة للتغير الديمغرافي المثير الذي يحدث في المنطقة.
وبعد بدء الهجوم التركي بأيام قليلة، أخذت مقاطع مصورة تنتشر على الإنترنت. وتظهر نهب مقاتلي ما يسمى بـ”الجيش الوطني” للمنازل التي أخليت مؤخرا.
ولكن الدليل الأول على ارتكاب جرائم الحرب الأكثر عنفا، كان مقتل الناشطة في حزب سوريا المستقبل هفرين خلف، بحسب التقرير.
وانتشر فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظهر فيه مسلحون سوريون موالون لتركيا وهم يتباهون بقتل المهندسة الكردية.
وفي اليوم نفسه، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن المقاتلين الموالين لتركيا أعدموا تسعة مدنيين عند حاجز جنوب تل أبيض.
ويضيف التقرير أن هذه الجرائم الوحشية، التي تأتي في تعاقب سريع، كان لها تأثير تقشعر له الأبدان على الأكراد، والذين لم يفروا بسبب الغارات الجوية التركية، بل فعلوا ذلك خوفا من القتل بدوافع عرقية.
مثلهم مثل “داعش”
وينقل تقرير الصحيفة عن بسمة داود، وهي يزيدية تبلغ من العمر 41 عاما، قولها “عندما رأينا كيف قتلوا هفرين لاحظنا أنهم فعلوا نفس الشيء الذي كان داعش يقوم به”.
هربت داود من قريتها بالقرب من رأس العين مع عائلتها، وتعيش الآن في مخيم للنازحين قرب تل تمر.
ومنذ بداية الهجوم التركي، نشأ تصور واسع بين الأكراد والأقليات الأخرى بأن المليشيات ستستهدف أيا من المقيمين غير العرب في المنطقة.
وتقول داود “جيراننا العرب طلبوا منا المغادرة. قالوا لنا عندما يأتون، سيقتلونكم”، وأضافت “كانت هناك عائلتان مسيحيتان في قريتنا وقد غادرتا للسبب نفسه”.
وقال عدد من السكان النازحين من المنطقة الخاضعة الآن لسيطرة الفصائل، للصحيفة، إن منازلهم قد نهبت أيضا وصودرت ممتلكاتهم، بحسب ما أعلمهم جيرانهم العرب.
وذكرت وسائل إعلام تركية رسمية، الجمعة، أن قرابة 70 سوريا بينهم نساء وأطفال، عبروا الحدود إلى بلدة رأس العين السورية، في أول عملية من نوعها لعودة لاجئين من تركيا إلى شمال شرقي سوريا.
غير أن المحللين يشككون في تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان عن أن بإمكان تركيا إعادة ما يصل إلى مليوني سوري إلى “المنطقة الآمنة”.