أيها الأوربيون، اقبلوا بنا على علاّتنا وإلاّ
لا تغيير في سوريا، وإلاّ سنطلق عليكم جحافل التكفيريين.. كان هذا لسان حال النظام السوري في خطابه مع المجموعة الأوروبية، يتلوه:
ـ سنغرقكم بالمهاجرين.
وكذلك الرئيس التركي، والذي كلما تأزمت علاقاته بالمجموعة الأوربية، يرمي بوجههم ورقة اللاجئين، وأخيرًا بات الكلام عينه لحسان دياب رئيس وزراء لبنان لتصريف الأعمال والذي بدا عاجزًا عن تصريف أي عمل في بلد لم تعد تعمل فيه سوى اللصوصية.
قالها حسان دياب وإن بطريقة مواربة:
ـ الانفجار في لبنان سيطلق العنان للمجهول.
كلامه حقيقة جدية، فالانفجار في هذا البلد سيطلق احتمالات المجهول فعلاً، غير أن توجهه بهذا الكلام لم يعن بالنسبة للسفيرة الفرنسية آن غريون سوى ما يعنيه دياب فعليًا وهو :
ـ الانفجار سيدفع النازحين السوريين إلى الهرب منه عبر المتوسط إلى أوروبا.
قال هذا الكلام بعد تأكيده بـ «عدم تأثير العقوبات على الفاسدين»، كان يقول للغربيين إنّ عقوباتكم لن تُغيِّر توازنات القوى السياسية القائمة عندنا، وما عليكم إلّا أن ترضخوا للأمر الواقع وتدعموه بكل عِلّاته.
وعندما لوَّح دياب بأنّ خراب لبنان سيتجاوز حدوده إلى بلدان أخرى، أوحى بأنه مكلَّف وكل ماكان عليه فعله هو إيصال رسالة تهديد: إقبلوا بالستاتيكو القائم، وإلا فإنكم ستدفعون في بلدانكم ثمن المواجهة بالإرهاب والنازحين.
وفي عبارة أكثر وضوحاً، ساد اعتقاد لدى الطواقم الديبلوماسية الغربية بأنّ دياب كان يترجم مناخ التهديد الذي يتبنّاه «حزب الله»، وعبَّر عنه أخيراً في شكل واضح.
في القراءة اللبنانية لكلام دياب ما يفيد بأن، «الحزب» الذي يمسك اليوم بالقرار السياسي من خلال الغالبية في السلطتين التنفيذية والتشريعية، ونعني به حزب الله، يُخبّئ ورقة لا يتحدث عنها إطلاقاً، ويتركها لحالات الطوارئ القصوى، وهي ورقة الأمن. فإذا ما تعرَّض للاستفزاز، لا يجد مفرّاً من استخدامها. ونموذج 7 أيار 2008 واضح.
بالنسبة للأوروبيين، ومن بينهم الفرنسيين، يتوافقون مع هذه الرؤية كذلك حال الولايات المتحدة، كما المجموعة الخليجية. فكل هؤلاء يعلمون باليقين أنّ أي فراغ أمني يقع في لبنان لن تكون لأحد جهوزية لِملئه إلّا «الحزب». ومن هنا ضرورة دعم الجيش والقوى الأمنية وتجنيبها الانهيار، بمعزل عن أي اعتبار آخر. ولكن، هل ما زال ممكناً فعلاً تجنُّب الوصول إلى التجربة الأمنية؟
هو السؤال الخطر الذي تطرحه جريدة الجمهورية اللبنانية، لتعقبه بالسؤال الأخطر:
هل ما زالت هناك فرصة لتجنّب الحرب كمخرجٍ من وضعية الاختناق والتعثّر الكامل؟
الإجابة بالغة السواد، وليس سرّاً أنّ هناك كلاماً كثيراً يجري تداوله في الآونة الأخيرة في هذا الاتجاه. وكثيراً ما يفاجأ الصحافيون في لبنان، عند اتصالهم بجهات مؤثرة في الداخل والخارج، بالجواب الآتي: في النهاية، أظهرت التجارب أنّ الاحتقانات الكبرى لا تنتهي إلّا بانفجار على الأرض، وأنّ التغييرات المفصلية لا تحدث إلا بعد الحروب!
طبعاً، مُقلق هذا الكلام. وكتعبير عن القلق، نجد الإدارة الأمريكية عازمة على دعم الجيش، وكذلك الإدارة الفرنسية، في رهان على أن الجيش وحده من يمثل الرادع لهكذا احتمال، دون نسيان أن الدعم هذا يقتصر على الأغذية والأدوية، دون منحه القوّة اللازمة لمواجهة حزب كما حزب الله، وهو الأمر الذي لايسمح للجيش بأن يمسك بزمام الأمور في يده، ما يعني أنه لن يكون بوسع الجيش منع أن يقوم طرف من داخل اللعبة أو خارجها بالاصطياد في المياه الأمنية العَكرة اجتماعياً وطائفياً ومذهبياً ويفجر الوضع في البلد.
انفجار قد تكون شرارته “مزحة”، نعم مزحة وللتاريخ شهادته ففتنة 1860 التي زلزلت جبل لبنان وصنعت مساراته، بإشراف دولي مباشر، بدأت بشجار سخيف بين ولدين من أبناء قرية واحدة.
واليوم، ما الذي يحول دون هكذا انفجار؟
لا شيء..
جوع، وانعدام أمل وبطالة، واللاعبون بالنار كثر.
موقدو النار كثر. وما من مطفئ لها سوى الرهان على معجزة.
ويبقى السؤال:
ـ ماذا لو اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان؟
ستتخطى مياه المتوسط إلى الجهة الأخرى.
أيها الأوروبيون اقبلوا بنا على علاتنا، وإلاّ.