إذا خسرت إسرائيل “الديمقراطية” ما الذي يتبقى لها؟

زاوية مينا
لسنا وحدنا (أمم عالم ما قبل المدينة)، من نسيس القضاء وننال من قيمه، فهذه إسرائيل، التي طالما تغنّى الغرب بديمقراطيتها، تذهب نحو تدمير المؤسسة القضائية بتسييسها، فمن يقرأ “ها آرتس”، سيعثر على حجم الانتهاكات التي تنال من هذه المؤسسة، فـ “الترتيب القانوني الأصلي لتعيين القضاة كان لحظة نادرة في السياسة، كان بمثابة معجزة”.
هذا ما تفتتح به “ها آرتس” لتبرهن بالقول “فالحكومة التي احتفظت حتى ذلك الحين بصلاحية تعيين القضاة، وافقت على نقل الأمر إلى لجنة، التي فيها للحكومة من بين التسعة أعضاء تمثيل لوزيرين.
في هذه اللجنة أيضاً اثنان من أعضاء الكنيست وثلاثة قضاة من المحكمة العليا وممثلان عن نقابة المحامين”.
ـ ماذا في تفاصيل الحكاية؟ في تفاصيلها أن “الائتلاف الحالي بنجومه الكبار، لفين، روتمان، وساعر الذي عاد وهو تائب، يدفع قدماً بالتسييس الكامل لتعيين القضاة مع إضعاف الأساس المهني في التعيين.
وظائف القضاء يتم إشغالها حسب اعتبار واحد ووحيد، وهو الولاء المطلق للجهة السياسية التي دفعت بهذا التعيين. في عملية خداع، يمنحون المعارضة هدية في احتفال التسييس، لمنع أو قمع معارضتها، لكن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى صفقات قذرة”.
ـ ما هي الصفقات الموصوفة بالقذرة؟
من أجل إضعاف الجانب المهني في التعيين، يقترحون التنازل عن ممثلي نقابة المحامين. لماذا؟ بسبب أداء إشكالي من رئيس النقابة السابق، آفي نفيه. ولكنه ادعاء مثل ادعاء من يقوم بالتعميد ويده دنسة. فبعد كشف أفعال نفيه (على الأقل بعضها)، طلبوا ضمان أن يتم انتخابه مرة أخرى لنقابة المحامين؛ أي أن المشكلة الحقيقية ليست مؤسسية. من ناحيتهم، ممثلو النقابة ممتازون، شريطة أن يؤيدوا مرشحين الائتلاف.
لذلك، من أجل السيطرة السياسية، يفضل أن يكون واحد من المحاميين يعينه الائتلاف والآخر تعينه المعارضة بدلاً من ممثلي النقابة. وهكذا فإن ستة أعضاء من بين التسعة أعضاء في اللجنة سيكونون سياسيين، مقابل أربعة من بين التسعة في القانون الحالي.
المحاكمة المناسبة تستند إلى المهنية بجودة عالية (بما في ذلك في مجال المزاج القضائي والسلوك)، وإلى الاستقلالية والحيادية. القانون الجديد يقوض ذلك.
ها آرتس تتابع :”إذا أردنا ضمان الولاء المطلق لمن قام بالتعيين فمن الأفضل مستوى مهني متدن بقدر الإمكان. هذه ميزة عامة للنظام الحالي الذي يعمل على تحطيم المهنية في الخدمات العامة، مثلاً، تعيين مدير عام وزارة المالية ومفتش الخدمة العامة”.
منظومة القضاء التي تنتخب على أساس سياسي ستحث القضاة على الانشغال طوال الوقت، بدلاً من الحقائق والقانون، في حل لغز توقعات الذين دفعوا قدماً بالتعيينات، والذين ترقيتهم في أيديهم.
وسينشغل الجمهور بتصنيف القضاة وانتمائهم لمعسكر سياسي على شاكلة “هل أنت مع أو ضد”، الأمر الذي يذكر باقتراح الرئيس إسحق هرتسوغ بالخطير، ضم القاضي سولبرغ لرئيس المحكمة عميت لاختيار أعضاء لجنة التحقيق، وكأن كل واحد يمثل معسكراً شعبياً آخر.
لن تتمكن هذه المنظمة وبحق من أن تحظى بثقة الجمهور (مثلما لا يحظى مراقب الدولة الحالي بثقة الجمهور). كلما كانت منظومة القضاء تشبه المنظومة السياسية أكثر، وهكذا سيزداد الانطباع بأنه لا لزوم لها، وستموت الثقة بها. سيتحول القانون من مجال معياري يتم تحليله بأدوات احترافية إلى امتداد بائس ومتقلب للسياسة.
في قيم دولة إسرائيل قيمتان: كونها دولة يهودية وكونها دولة ديمقراطية. من هنا ينبع التزامها العميق بحقوق الإنسان. وهذا ما كان واضحاً حتى فترة قريبة بأن في الديمقراطية فصلاً بين السلطات (منظومة توازنات وكوابح)، وأن الجميع يخضعون لسيادة القانون.
كما هو معروف، إسرائيل ضعيفة جداً في مجال فصل السلطات (مثلاً، الحكومة تسيطر بالفعل على الكنيست). إن نفي مهنية واستقلالية السلطة القضائية، الذي هو جوهر الاقتراح، ينهي فصل السلطات ويناقض طابع الدولة الديمقراطي. لذلك، يجب إلغاء هذا القانون لكونه “تعديلاً دستورياً غير دستوري”.
إضافة إلى ذلك، لو أن قائمة وضعت في حملتها الانتخابية نية العمل على تسييس تعيين القضاة، وقامت المحكمة بدورها بشكل سليم، لوجب عليها إلغاء مشاركتها في الانتخابات.
ـ وهل سيؤول الحال إلى دفن الديمقراطية؟ إجابة ها آرتس كانت التالية:
بشكل عام، الدول الديمقراطية لا تتم تصفيتها بضربة واحدة. الفترة الأخيرة مليئة بالضربات التي توقعها السلطة الحاكمة بها: الإجراءات الجارية لإقالة رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية للحكومة، وعودة بن غفير إلى وزارة الشرطة بعدما فعله فيها، من خلال الاستخفاف بالمستشارة القانونية إلى درجة الخطر الملموس والقريب على استمرار وجودها.