إذا ما سقط “أردوغان” في صناديق الانتخاب
الانتخابات التركية على الأبواب، والمحيطون بالرئيس التركي أردوغان يستشعرون يأسه من الفوز بها، يأسه هذا يدفعه للهروب إلى الأمام، أما الامام بالنسبة لأردوغان فهو قمع معارضيه ونقّاده محاولة لتكبيل أصواتهم ماقبل والوصول إلى الاستحقاق الاكثر خطورة على الرجل المتعلق بالسلطة كما لو رضيع لايتقبل الفطام.
آخر إجراءاته القمعية كان اعتقال “متين جورجان العضو المؤسس في”حزب الديمقراطية والتقدم (“ديفا”)، و “بتهمة التجسس” وهي خطوة بالغة التهور توازي تهوره في تخفيض أسعار الفائدة في ظل التضخم المرتفع أصلاً، وهي سياسة أقحمت البلاد في فوضى اقتصادية.
بموازاة ذلك ما الذي يحدث؟
يحدث أنه يواجه معارضة جريئة – وموحدة بشكل متزايد – تشكل للمرة الأولى تهديداً مباشراً لحكمه.
لقد انقلبت الآية بالنسبة اليه، وهاهي الامور تسير في تركيا على العكس من من العقدين الأخيرين، أولاً كرئيس وزراء بين عامَي 2003 و 2014 ثم كرئيس للبلاد منذ عام 2014، وفيهما بدا أن أردوغان لا يُقهَر.
في العقدين إياهما حقق أردوغان ازدهارًا للطبقة المتوسطة، وعبر تحقيق نوع جديد من الازدهار للطبقة الوسطى في تركيا، وصمد أمام حروب كانت تدق بابه، لكن في السنوات الأخيرة، فقدت شعبوية أردوغان السلطوية سحرها. فمنذ محاولة الانقلاب، أُصيبت حكومته بالذعر المتزايد، إذ لم تكتف بملاحقة مخططي الانقلاب المشتبه بهم فحسب، بل لاحقت أيضاً أعضاء من المعارضة الديمقراطية واعتقلت لاحقاً عشرات الآلاف من الأشخاص وأجبرت أكثر من 150,000 أكاديمي وصحافي وغيرهم على ترك وظائفهم للاشتباه بعلاقاتهم بالانقلاب أو لمجرد وقوفهم في وجه أردوغان.
والآن وفي غضون 18 شهراً، ستُجري تركيا انتخابات رئاسية من غير المرجح جداً أن يفوز بها أردوغان، أما الأسباب فمتنوعة قد يكون من بينها إرثه الطويل من الفساد وإساءة استخدام السلطة، فإذا ما أطيح به فسيقاد إلى المحاكمة وربما سيدفعه مثل هذا الاحتمال للاستقتال في الفوز بالانتخبابات الرئاسية حتى ولو بتزوير الانتخبابات، او بتجاهل النتيجة وبالتالي فقد تشهد تركيا في الايام القادمة، التحدي الأكثر ألحاحاً الذي يواجه البلاد في كيفية تصميم عملية نقل السلطة التي لا تهدد أسس الديمقراطية التركية نفسها، فتتجاوز تداعيات عدم الاستقرار المحتملة حدود البلاد لتصل إلى أوروبا والشرق الأوسط.
عند وصول أردوغان إلى السلطة في عام 2003، تم الترحيب به باعتباره مصلحاً من شأنه أن يبني ويعزز المؤسسات الديمقراطية في البلاد، لكن سرعان ما بدأ أردوغان في إظهار ميول أكثر استبدادية بكثير. ففي عام 2008، أطلق العنان لما يسمى بقضية إرغينيكون، وفي عقده الثاني في المنصب، لجأ إلى تكتيكات أقسى للبقاء في السلطة. ففي عام 2013، استخدم القوة لقمع احتجاجات “منتزه غيزي”، ولاحقاً، في أعقاب محاولة الانقلاب في عام 2016، استخدم أردوغان حالة الطوارئ لفترة طويلة لممارسة المزيد من القمع على التهديدات المتصورة لحكمه. وأطلق حملة انتقامية كاسحة ضد حلفائه السابقين في حركة غولن، وفي غضون ذلك، بدأ أردوغان في الابتعاد عن محور العلاقات التركية القائمة منذ زمن طويل مع أوروبا والولايات المتحدة. وعلى مدى سنوات، بينما كان يمضي قدماً بشعبويته الاستبدادية، كان بإمكانه الاعتماد على معارضة منقسمة، لكن في عام 2017، ارتكب أردوغان خطأً مصيرياً. فنجح في فرض تعديل دستوري أسفر عن تحويل النظام السياسي في تركيا من ديمقراطي برلماني إلى رئاسي تنفيذي. الأمر الذي منحه المزيد من السلطة، ما أدّى عن غير قصد إلى تقوية المعارضة وقد تحالف فيها فصيلين رئيسيين”الفصيل العلماني – “حزب الشعب الجمهورياليساري” والفصيل الوسطي “حزب الخير” القومي التركي. وقد دعمَ “حزب الشعوب الديمقراطي الليبرالي”المؤيد للأكراد هذا التحالف وفي غضون ذلك، تنهار قاعدة “حزب العدالة والتنمية”الذي ينتمي إليه الرئيس. ويعني ذلك أن على أردوغان أن يعتمد الآن على أقلية لكسح الأغلبية، مما سيصعب تحقيقه إلى حد كبير مع نظام المواجهة الجديد.
في عام 2019، فاز أكرم إمام أوغلي من “حزب الشعب الجمهوري” بمنصب عمدة اسطنبول،
وحين خسر مرشح أردوغان، ادعى أردوغان حدوث مخالفات في مجالس الانتخابات التي أشرفت على عملية التصويت، وأجبر على إجراء انتخابات جديدة، فعاد حزب الشعب الجمهوري للفوز في الانتخابات المعادة بعد ثلاثة أشهر بأغلبية كبيرة قدرها 800 ألف صوت.
هذا الفوز أدى فيما أدى اليه، التدمير الفعلي لصورة أردوغان التي لا تُقهر.
واليوم، إذا استمر الوضع الحالي، فإن أردوغان يتجه نحو صدام مع جمهور الناخبين، وسيكون لذلك تداعيات عميقة على مستقبل تركيا بعد احتمال صدام بين مسارين محتملين. ففي حال خسر أردوغان الانتخابات سيزعم على الفور حدوث تزوير واسع النطاق. ثم يسعى إلى إعادة ما حدث في اسطنبول عام 2019، من خلال الإطاحة بالنتائج، مما يدفع البلاد إلى أزمة. وهو الاحتمال المرجح بالنظر إلى استعداده السابق لتقويض المؤسسات الديمقراطية في تركيا، وطبيعة دائرة المقربين منه حالياً، وتصميمه على التمسك بالسلطة، وهو الرئيس المحاط بزمرة من المستشارين الذين دفعوه إلى التخلي عن نتائج اسطنبول، وإذا قُهر أردوغان مجدداً، فبإمكانهم القيام بالأمر نفسه على المستوى الوطني.
وفي تلك المرحلة، سيواجه أردوغان احتجاجاً شعبياً عارماً، يملأ خلاله مئات الآلاف من أنصار المعارضة شوارع المدن الرئيسية في تركيا. لكنه قد ينشر الشرطة الوطنية – وهي قوة حديثة مسلحة تسليحاً جيداً يزيد عدد أفرادها عن 300,000 فرد من الأشداء ومسؤولة مباشرة أمامه – مما يسرّع من حملته القمعية. وستكون النتيجة الأكثر ترجيحاً هي إما الاحتجاجات الضخمة، حيث ستُجَرّ الشرطة والمعارضة مرة أخرى، وللأسف، إلى التسابق للسيطرة على شوارع تركيا، وإما انتصار المعارضة إذا تم اكتشاف التدخل مبكراً وتمت حماية عملية التصويت بنجاح. لكن أردوغان والقوى الخاضعة لسيطرته قد يستمرون في رفض قبول النتيجة، وهنا سيكمن السؤال الصعب حول كيفية ضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة، إذا رفض هو وأنصاره التنازل، من دون زج تركيا في حالة عدم الاستقرار.
ـ سيكون السؤال فيما لو حدث ذلك، وهو الاحتمال المرجّح:
ـ ماهو دور المؤسسة العسكرية؟
قد لا تبدو دعوة الجنرالات إلى السياسة فكرة جيدة. ومع ذلك، كقوة قائمة على التجنيد الإجباري، تُعد القوات المسلحة التركية إحدى المؤسسات الوحيدة المتبقية في البلاد التي يجتمع فيها الأتراك المؤيدون لأردوغان والمعارضون له، من بينهم النساء اللواتي يخدمن في سلك الضباط.
في هكذا حال سيكون الحسم له، ومع هذا الحسم قد تقع تركيا في المحذور:
ـ كل السلطة للجيش.
سيكون خراب تركيا أيضًا.