إذا ما وقعت الواقعة واحتلت الصين الولايات المتحدة
وقّعت المعاهدة وأعلن عنها، وعنوانها “اتفاق تعاون استراتيجي واقتصادي وأمني بين إيران والصين”، أما مدتها فهي لمدة 25 عاماً.
ثمة من يذهب في قراءته للمعاهدة إلى القول:” انقلبت موازين القوى في الشرق الأوسط، بين ليلة وضحاها”، ويزيدون “وهذا الانقلاب ولو كان فقط على الورق حتى الآن، فإنه سيتحول إلى واقع تدريجياً، رويداً رويداً، يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى يصبح حقيقة دامغة تاريخية بحجم حقبة الحرب الباردة، ويطول عمرها كعمر الإمبراطوريات التاريخية”.
سيكون الامر كذلك إن لم ” تتحرك الولايات المتحدة والمنطقة لتواجه نتائج ما حدث”.
مبدئيًا ماهي مضامين هذه المعاهدة؟ وما المتوقع من نتائج لهذه المعاهدة؟
- تتعهد الصين بشراء كميات هائلة من النفط والغاز الإيراني بحجم يعيد لطهران مستوى في التصدير لم تشهده منذ عقود، وذلك لقاء ثمن منخفض، يوفر احتياطاً واسعاً لبكين، وسيولة كبيرة للنظام الإيراني.
نتيجة هذا باختصار “ستتحدى الصين الحصار الاقتصادي الأميركي من دون أي تفاوض مع واشنطن”.
- تقوم الصين باستثمارات في الاقتصاد الإيراني بحوالى 400 مليار دولار لسنوات، أي أكثر من ضعفي حجم صفقة الاتفاق النووي، مما سيربط الاقتصادين بعرى قصوى، تتحدى أي عزل مالي من الغرب، إضافة إلى ربط العملة الإيرانية بالعملة الصينية القوية.
- ستمد الصين شبكة الإنترنت التابعة لها إلى عموم إيران، وتحميها من الاستهدافات السيبرانية، وتساعدها في منع اختراقها.
- سيتم تبادل معلومات استخبارية بين الحكومتين حول خصومهما المشتركين في المنطقة وعالمياً، مما يعني حماية إضافية للنظام الإيراني عبر قوة عظمى تتمتع بقدرات واسعة.
- سيتم تعزيز التنسيق الدبلوماسي بين الطرفين دولياً وفي الأمم المتحدة، مما سيوفر فيتو صينياً مستمراً ضد أي قرار غربي، إضافة إلى الفيتو الروسي. أي عملياً وضع طهران تحت المظلة الدبلوماسية الصينية -الروسية.
- الأهم، إقامة تعاون عسكري صيني- إيراني يشمل تصدير أسلحة متطورة إلى إيران، من طائرات حربية تضاهي النماذج الغربية، ودبابات متقدمة وصواريخ وأعتدة وأنظمة إلكترونية حديثة، أضف إلى ذلك تحديث المطارات والقواعد العسكرية الإيرانية والموانئ.
المعلومات السابقة تقود إلى نتائج، نتائج من الغباء، الغرور، إنكارها أو تجاهلها فالصين ستنقذ النظام الإيراني مالياً عبر عملية الشراء الواسعة للنفط والغاز، وستوفر سيولة جارفة لطهران التي ستتمكن من تمويل أجهزتها بما فيها الحرس الثوري والباسيج، وبالطبع الميليشيات المرتبطة بإيران من العراق إلى سوريا إلى لبنان فاليمن.
قد يكون ذلك بمثابة استعادة أيام الحرب الباردة التي ذهب الكثيرون للاعتقاد بأنها صفحة مطوية، ولكن غالبًا ما سيكون الحال كذلك بفارق (وكما ذهب الكاتب وليد فارس للقول) بأن :”العمود الفقري لهذا المحور لن يكون العقيدة السياسية، لانتفائها بين الماركسية والخمينية، بل التلاقي على بقاء هذه الأنظمة المتشددة ومصالحها الاقتصادية”.
هذا الأمر سيطرح السؤال الأبعد: ماذا بالنسبة إلى العرب وأميركا؟
وليد فارس، وهو الخبير بالبيت الأمريكي، يقدّم قراءة يصح التأمل فيها، فـ “المعادلة الجديدة، إن تجسدت، تأتي مع تطورين متناقضين. أولاً ستصل القوة العسكرية الصينية إلى إيران، كما وصلت القوة الروسية إلى الأسد في سوريا، وتجعل أي تهديد حربي للنظام أصعب وأعلى كلفة على أي طرف إقليمي ودولي، ومن هنا ستتحرك طهران على أساس أن وراء ظهرها قوة خارقة، أي أيضاً أن ينتشر المستشارون الصينيون في إيران، وفي المرافئ العسكرية ومنصات الصواريخ والقواعد الجوية، وأن تتموضع قوات خاصة صينية في طهران والمدن الأخرى. هذا بالطبع ليس خبراً ساراً لدول التحالف العربي إذا استفادت منه إيران”.
ـ هل سيتوقف الأمر عند هذا الحد؟
لا.. الصينيون الغامضون سيلعبونها على المكشوف، فالمتوقع أن تذهب بكين بالتزامن إلى عرض بضاعتها على دول الخليج.. ستكون عروضاً باهرة للتهدئة والتعاون الاقتصادي، فقد أعلن وزير خارجيتها أن حكومته ستعرض على السعودية ومجلس التعاون سلسلة اتفاقات اقتصادية وتجارية حول النفط والنقل البحري، و”جعل الخليج منطقة آمنة للجميع”، وكأن بكين تقول للجزيرة العربية إنها ستحمي إيران، لكن بإمكانها أن تحمي العرب من طهران أيضاً!
لهذا الكلام إذا ما أفلح الصينيون معنى واحد:
ـ طرد الولايات المتحدة (جزئيًا) من المنطقة، دون نسيان حجم الاستثمارات الصينية الهائلة في إسرائيل، وخصوصًا في الموانئ، ما يعني بالنتيجة أن تكون الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من التقدم الصيني في المنطقة؟
عمليًا فإن هذا هو حصاد ما أنتجته الولايات المتحدة من سياسات، وبالوسع تعداد أبرزها:
ـ تلهّت إداراتها السابقة بدءًا من جورج بوش الابن، في ملفات كثيرة وامتنعت عن حسم ملف الانفلات الإيراني في المنطقة العربية منذ حرب العراق، فاتحة ثغرة هائلة للصين وجزئياً لروسيا، فبعد أن سيطرت على العراق في 2003، فتحت إدارة جورج بوش الابن ثغرة لإيران سمحت لجماعاتها المسلحة أن تنتشر في البلاد، وجاءت إدارة باراك أوباما وفتحت باباً واسعاً لطهران لدخول كل المنطقة عبر الاتفاق النووي، أما إدارة دونالد ترمب فقد وقفت في وجه إيران، لكنها لم تتحرك إلى الأمام بينما الوقت يداهم.
ـ لم تساعد على الحسم في اليمن، ولم تساعد حلفاءها في العراق، وترددت في سوريا، ولم تواجه “حزب الله” في لبنان.
واليوم حصاد النتائج.
“فورين بوليسي” وعلى لسان باحثها المتخصص بالدراسات الصينية في جامعة أكسفورد آيك فريمان قالت ” أمريكا كانت وعلى مدى 12 عاما تحاول فك ارتباطها بالشرق الأوسط. وقد استجابت القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران وإسرائيل وروسيا والسعودية وتركيا، بالبحث عن حلفاء جدد والتنافس بشكل أكثر شراسة مع بعضها البعض”.
وبعيدا عن العناوين الرئيسية، فقد كانت الصين هي الفائز الأكبر في الشرق الأوسط ما بعد أمريكا، كما يقول. وكانت “بيجين” أصلا أكبر مشتر لنفط المنطقة وأصبحت الآن، وبدون ضجة، القوة الخارجية الوحيدة التي لها علاقات سياسية وتجارية قوية مع كل دولة رئيسية هناك.
ومن هنا يقول الكاتب إن على إدارة بايدن فرض ثمن على الصين وإيران لمنع شراكتهما الاستراتيجية الناشئة من النمو بدون رادع. ويجب أن تدرك أيضا أن معظم حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط – بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج – مصممون على عدم الانحياز إلى أي طرف في التنافس الجيوسياسي بين أمريكا والصين.
كانت تلك نصيحة “فورين بوليسي”.. هي نصيحة لابد وأن جاءت متأخرة، فـ “ما ينبغي فعله، ينبغي فعله عندما ينبغي، لأن ينبغي تتبدل”.
ـ إنه كلام لوليم شكسبير.