إسرائيليو الأمس.. مقاومو اليوم
يطل علينا مناضلون، حتى تظن بأنهم وقبل نضالهم (الفلسطيني)، كانوا من الذين أسقطوا سايغون مع الفيتناميين، وحاربوا مع تشي غيفارا في غابات بوليفيا، ومن قبلها في خليج الخنازير.
من بين هؤلاء، عبد الباري عطوان، صاحب الصوت العالي، والقبضة الملوحة.
في التاريخ القريب، ونعني بداية من 1990، أطلق عبد الباري جريدته القدس “العربي”، وهي الجريدة اليومية الصادرة من لندن، والبالغة (24) صفحة، والتي لابد وتعجز حكومات عن تمويلها، فيما تخلو الجريدة من الإعلان، أيّ إعلان، وتحتل مبنى مؤلف من طابقين في قلب لندن مملوك للإسرائيلي آرنولد، ويقدر إيجاره الشهري بـ (250) ألف جنيه استرليني، أما عن التحويلات المالية التي كانت تصل لعطوان وفق وثائق كشفت عنها تحقيقات مصرفية بريطانية، فتبلغ ملايين الجنيهات الاسترلينية، عبر من يسمى “أبو الزلف”، المقيم في إسرائيل، والذي اتهم آنذاك بأنه عميل إسرائيلي، ومنتظم في جهاز الموساد الإسرائيلي، أقله وفق وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني.
قصة “عطوان” متشابكة، ولا يحتملها خبر صحفي، ولا زاوية صحفية فهي موثقة ويمكن العودة الى تفاصيلها عبر محرك البحث غوغل، ولكن الصفحة التاسعة من “القدس العربي” آنذاك تحكي وظيفة الصحيفة، وهي الصفحة المتخصصة بنشر المقالات الإسرائيلية، ولغلاة الكتاب الإسرائيليين ممن ينتمون إلى اليمين الإسرائيلي، من مثل، عمير بابورت / عميرة هاس / يوفال يوعز / زئيف شيف / يوئيل ماركوس / شاؤول آلوني، وعشرات الكتاب الإسرائيليين، دون نسيان أن “القدس العربي” لم يكن في كادرها الصحفي مترجم واحد عن اللغة العبرية، بل كانت تصل مقالاتها مترجمة إلى القدس العربي ليتولى “عطوان” نشرها، وبمعدل خمس مقالات يومية، أي مايزيد عن (1500) مقال سنوياً لكبار الكتاب الإسرائيليين، وعلى مدى سنوات طويلة، وهو ماتعجز عن تسويقه أعتى مؤسسات الإعلام الإسرائيلية، دون السماح لأي من الكتاب العرب او الفلسطينيين بتفنيد تلك المقالات او الرد عليها.
ملايين الجنيهات الاسترلينية كانت بتصرف عبد الباري عطوان، وقد تنقّل ما بين زئيف شيف وأسامة بن لادن، وبات اليوم واحدًا من طلائع فيلق القدس الإيراني، ولو كانت له إرادة الكف عن ريادة الكاباريهات، لكان واحد من خلفاء قاسم سليماني، وهاهو الرجل وقد أمست اطلالاته على الشاشات وبرامج التوك شو، تفوق إعلانات ببسي كولا.
كل المؤكد، وكل الوثائق التي بالوسع العودة اليها وتفكيكها تقول بأنه ابتدأ مع الإسرائيلين، وانطلق مع الإسرائيليين، وأسس جريدته بالمال الإسرائيلي، فما هو التحول الذي وقع على شخصه حتى بات اليوم من جند حزب الله المجندة؟
هذا واحد من الأسئلة، والسؤال يتجاوز “عطوان”، وينسحب على المهللين للسلاح، وسيادة السلاح، وضحايا السلاح، ممن لم يحملون سلاحًا، ولن يحملوا سلاحًا، ولم يكونوا شهداء، ولن يكونوا شهداء.
يحضّون على الشهادة ولا يستشهدون، ويحضّون على السلاح ولا يحملون سلاحًا، ويكبرون للعنف وتبادل العنف وتسويق العنف، فيما أياديهم أكثر طراوة من الخسّة ووجوههم كذلك.
الناس يموتون تحت القصف، وهم يهللون للقصف المضاد.
هل هذه هي فلسطين التي ستستعاد؟
عبد الباري عطوان واحد من “مساطرها”، ولا ندري، هل كان إسرائيليا وخان إسرائيل، أم أن إحداثيات اللعبة اختلفت.. الدور اختلف.. الخشبة اختلفت، والجمهور:
ـ في مقاعده يطلق الصفير والتصفيق.