إسرائيل .. حرب الرسائل المفتوحة

صندوق المرصد

رغم كثافة الضربات التي شنتها إسرائيل على مواقع حزب الله في الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية، ورغم ما يُشاع عن تفكك بنيته القيادية وتضرر قدراته العسكرية، إلا أن المشهد لا يتجه نحو التهدئة،على العكس، تشهد بيروت نفسها ضربات جوية ما بعد وقف الحرب المفوحة، ما يثير سؤالاً جوهرياً وهو:

إذا كانت إسرائيل قد أضعفت حزب الله فعلاً، فما الذي يدفعها إلى توسيع رقعة التصعيد لتطال قلب العاصمة اللبنانية؟

التحليل الأولي قد لا يكفي، فالإجابة لا تكمن فقط في طبيعة الحزب أو وضعه الميداني، بل في منظومة أوسع من الحسابات السياسية والعسكرية والاستراتيجية التي تحكم السلوك الإسرائيلي في لحظة إقليمية بالغة الحساسية.

منذ تأسيسها، تبنت إسرائيل عقيدة أمنية ترى أن الردع لا يتحقق فقط بإضعاف العدو، بل بشلّ إرادته على المدى الطويل، فحتى وإن تضررت بنية حزب الله، فإن إسرائيل ترى في بقائه “كفكرة وقدرة” تهديداً مؤجلاً يجب استئصاله بالكامل، لا مجرد تقليصه.

وفق هذا المنطق، فإن أي قدرة على إطلاق الصواريخ، أو الإبقاء على القيادة ولو بشكل سري، تشكل خطراً استراتيجياً، ومن هنا، تُخاض المعركة ضد احتمال القوة، لا فقط ضد الفعل القائم.

ما يحدث اليوم لا يُقرأ عسكرياً فقطـ بل يُفهم ضمن سياق حرب الرسائل:
إلى حزب الله: لا منطقة خارجة عن الاستهداف.

إلى القوى السياسية اللبنانية: لا مفر من اتخاذ موقف حاسم بشأن سلاح الحزب.

إلى الرأي العام اللبناني: استمرار الحزب في تموضعه المسلح يجعل الجميع رهائن في معادلة الحرب.

بهذا المعنى، فإن ضرب بيروت لا يستهدف موقعاً بعينه، بل يعيد تعريف الخطوط الحمراء ومفاهيم الحصانة.

تعتقد إسرائيل أن اللحظة الإقليمية تخدم مصالحها الاستراتيجية:
ـ إيران منشغلة داخلياً بمصير النووي، وتبدو حذرة من الانخراط في مواجهة شاملة جديدة.
ـ الدعم الأميركي لإسرائيل غير محدود، وهو غطاء واضح لعمليات واسعة النطاق، حتى لو طالت دولاً أخرى.

ـ انشغال القوى الدولية بأزمات أخرى، من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي، يمنح إسرائيل هامش مناورة واسع.

كل ذلك يجعل من التصعيد الحالي استثماراً محسوباً في “زمن القوة” الإسرائيلي.

يوم اندلاع الحرب في غزة، حافظ حزب الله على ما يشبه “قواعد الاشتباك المحدودة”: ضربات صاروخية على نقاط حدودية، وردود إسرائيلية موضعية.
لكن هذه “المعادلة الرمادية” لم تعد مقبولة من وجهة نظر إسرائيل، خصوصاً في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، الذي أعاد تعريف مفاهيم الأمن والردع، فـ :
من هنا، تسعى إسرائيل إلى هدم أي صيغة تُبقي حزب الله فاعلاً وإن تحت سقف معين إما تفكيك كامل، أو استمرار التصعيد بلا قيد.

و.. ثمة حديث متزايد عن دور أكبر للجيش اللبناني بعد تحجيم حزب الله، ورغم أن هذا قد يبدو مخرجاً مقبولاً، إلا أن إسرائيل لا تنظر إليه بارتياح كامل فـ :
تخشى إسرائيل أن يشكل الجيش لاحقاً غطاءً لإعادة إنتاج الحزب، أو تحويله إلى “مقاومة وطنية” مغلّفة.

من هنا، فإن التصعيد قد يكون رسالة استباقية أي فراغ ينشأ بعد الحزب يجب أن يُملأ تحت إشراف وقواعد، تضعها تل أبيب، لا بيروت.

في النهاية، لا يبدو أن إسرائيل تخوض حرباً ضد ما يفعله حزب الله اليوم فقط، بل ضد ما قد يفعله مستقبلاً، وضد شرعية وجوده كذراع إقليمي مسلح.
ـ هي حرب على الفكرة أكثر من الأداة، وعلى المعنى أكثر من الصاروخ.

ولهذا، فإن استهداف بيروت لا يُقرأ فقط بميزان الخسائر المباشرة، بل بوصفه تأسيساً لمعادلة ردع جديدة، لا مكان فيها للتسويات الرمادية أو مناطق النفوذ غير الرسمية.

يحدث ذلك والقوّة محتكرة لليد الإسرائيلية، سوى ذلك إنكار لحقيقة إذا ما أخفاها الخطاب السياسي فلابد أن يكشف عنها تحليق الطائرات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى