إقصاء الفياض.. مقدمة لحرب ضد إيران قد تعيد بعثيي العراق للواجهة
مرصد مينا – هيئة التحرير
لم تمض ساعات على قرار رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي”، بإقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي، “فالح الفياض” من منصبي رئيس جهاز الأمن الوطني ومستشار الأمن الوطني، حتى تعرض مقر السفارة الأمريكية في بغداد لقصف بصواريخ الكاتيوشا، وفقاً لما أعلنته فرق الأمن الخاصة بالسفارة.
وكان “الكاظمي” قد عين خلفاً “للفياض”، كل من “قاسم الأعرجي”، مستشاراً للأمن الوطني، والفريق المتقاعد “عبد الغني الأسدي”، رئيساً لجهاز الأمن الوطني، المعروفين بتأييدهما لتوجهات رئيس الحكومة بالتقرب من الدول العربية وخلق توازن في العلاقات العراقية.
دعاية ورسالة فارغة
تزامن استهداف السفارة الأمريكية مع قرار “الكاظمي”، يرى فيه مصدر عراقي خاص في حديثه مع مرصد مينا، رسالة من الميليشيات المدعومة من إيران، للولايات المتحدة وليس “للكاظمي” وحده، موضحاً: “هذا الاستهداف تريد من خلاله إيران استعراض أن قوتها في العراق أكبر من أن تتضرر بإخراج مواليها من مراكز القرار الرسمي، وأن استبعاد أو إقصاء رجالاتها من المناصب الأمنية لا يعني تراجع أو تقليم لأظافرها في العراق، وأن شيئاً لن يتغير في المعادلة العراقية”.
مضمون الرسالة وعملية الاستهداف، يصفها المصدر بأنها مجرد دعاية إعلامية، لافتاً إلى أن كافة عمليات إيران في العراق كانت تعتمد بشكل أساسي على المعلومات، التي كانت تحت يد “الفياض” بحكم منصبه كمستشار للأمن الوطني بالدرجة الأولى، على اعتبار أنه المنصب، الذي يسمح لصاحبه بالوصول إلى كافة المعلومات وقواعد البيانات الأمنية أياً كان مصدرها أو الجهة المسؤولة عنها، وبالتالي فإن تعيين “الأعرجي” في ذلك المنصب، سيفقد إيران كنزها الاستخباراتي في العراق.
ويوصف “الأعرجي” في العراق، بالابن العاق للميليشيات الإيرانية، بعد انشقاقه عن تنظيم فيلق بدر المدعوم إيرانياً عام 2014، وتوليه حقيبة الداخلية في عهد رئيس الوزراء الأسبق، “حيدر العبادي”، ما وضعه على القائمة السوداء بالنسبة للميليشيات العراقية.
الضربة الاستخباراتية الأخرى، بحسب المصدر، تمثلت أيضاً بتعيين “الأسدي”، الضابط البعثي السابق، خليفةً “للفياض” على رأس الاستخبارات الوطنية، مشيراً إلى أن ذلك التعيين يتجاوز حدود فقدان إيران لنفوذها في ذلك الجهاز إلى حد القطيعة بين الطرفين، وأن وجود “الأسدي” يعني أن الاستخبارات الوطنية العراقية باتت منطقة محرمة على الإيرانيين.
وكان “الأسدي” أحد الضباط في الجيش العراقي السابق، وشارك في الحرب العراقية ضد إيران عام 1982، إبان عهد الرئيس العراقي الأسبق، “صدام حسين”، وعند تقاعده عام 2014 من رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب، حرم من تعويضاته واستحقاقاته، بسبب علاقته مع حزب البعث المحظور في العراق بعد 2003.
عودة البعثثين وخطوة أولى
تعيين “الأسدي”، صاحب الخلفية البعثية، تطرح إمكانية عودة البعثيين إلى دوائر الحكم في العراق، وفقاً للمحلل السياسي “حسام يوسف”، الذي أشار لمرصد مينا، إلى أن البعثيين يمثلون العدو الأكبر لإيران في العراق وحجر الزاوية الذي قد يعتمد عليه “الكاظمي” في الحد من نفوذها، خاصةً وأن رئيس الحكومة العراقية الحالي من خلفية علمانية، لا ينظر إلى البعثيين من زاوية طائفية، لا سيما بالنسبة للضباط والقادة، الذين لم يشغلوا مناصب قيادية خلال عهد “صدام حسين”، كما هو حال “الأسدي”.
إلى جانب ذلك، يوضح “يوسف” أن اعتماد “الكاظمي” على البعثيين لا يعني عودتهم إلى الحكم المطلق، وإنما سيكونوا جزءاً من خطته في محاربة النفوذ الإيراني، لافتاً إلى أن الحكم المستقبلي للعراق سيكون خليطاً من العلمانيين والبعثيين و الرافضين لقوة إيران في العراق.
في السياق ذاته، يشير المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، كونه لا يملك صلاحية التصريح الإعلامي، إلى أن تعيين “الأسدي” لا يعني الاعتماد على البعثيين، مشيراً إلى أن “الأسدي” كان موجود في مراكز القيادة العسكرية والأمنية، حتى في ظل حكم الميليشيات ورجال الدين المحسوبين على إيران.
وكان عدد من المسؤولين العراقيين السابقين، قد أفرج عنهم خلال الفترة الماضية، بعد انتهاء محكوميتهم، بينهم قائد الحرس الجمهوري السابق، العميد الركن “برزان عبد الغفور”، في حين لا يزال عدد من القيادات العسكرية للنظام السابق، خارج السجن، مثل وزير الدفاع الأسبق، “سلطان هاشم أحمد”.
كما يكشف المصدر أن إقالة “الفياض” ليست إلا خطوة أولى لتطهير أجهزة الأمن العراقي من رجالات إيران، مؤكداً أن الأسابيع القليلة القادمة ستحمل قرارات جديدة متعلقة بقيادة الأجهزة الأمنية وإقالة العشرات منهم.
لماذا الفياض أولاً؟!
اختيار “الكاظمي” أن يبدأ حملة تطهير الأجهزة الأمنية بإقصاء “الفياض”، يفسره المصدر بأنه مرتبط بحساسية منصبي مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، مضيفاً: “أحدث منصب مستشار الأمن الوطني عام 2004، وهو المنصب الذي حرصت إيران على أن يسيطر عليه أكثر الموالين لها في الشأن العراقي، بدءاً من موفق الربيعي وخلفه فالح الفياض، الذين تعبرهما إيران أقرب المقربين منها”.
ويلفت المصدر إلى أن موقع المستشار الأمني، يتمتع بصلاحيات كبيرة في المجالين العسكري والأمني، كما أنه يطلع على أدق القرارات والإجراءات، التي يتخذها رئيس الحكومة والقادة الأمنيين مهما كانت سريتها، وهو ما جعل تحركات المسؤولين العراقيين كتاباً مفتوح أمام إيران، على حد قوله، موضحاً أن منصب المستشار هو النقطة التي تتقاطع عندها كافة المعلومات الأمنية.
وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت في وقتٍ سابق، بأن حركة اقصاء “الفياض” قد تصل إلى حد إقالته من مصب رئاسة هيئة الحشد الشعبي، أقوى ميليشيات إيران في العراق وأكثرها عدداً، خاصةً مع توجه رئيس الحكومة إلى إعادة هيكلة الميليشيات ووضعها تحت سلطة قائد الجيش العراقي.
مواجهة مفتوحة وسياسة النفس الطويل
التطورات غير المسبوقة على صعيد الأجهزة الأمنية في العراق، يعتبرها المحلل السياسي، ” إياد أبو شقرا”، نوعاً من اختبار القوة بين حكومة “مصطفى الكاظمي” والنفوذ الإيراني، وتحديداً حزب الله العراقي، الذي يتهم “الكاظمي” صراحةً بالضلوع في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، “قاسم سليماني”.
بالإضافة إلى ذلك، يصف “أبو شقرا” قرارات الحكومة العراقية بأنها موقف متقدم يكشف عن مواجهة حقيقية بين إيران وداعميها من جهة، والمواطن العراقي والعالم العربي والمجتمع الدولي من الجهة المقابلة، خاصةً مع تراجع حجم الدعم المالي والعسكري الإيراني لميليشياتها العراقية، بسبب العقوبات الأمريكية على طهران.
وسبق لمصادر مطلعة أن كشفت عن تراجع الدعم المالي الإيراني للميليشيات العراقية منذ بداية العام الحالي، من 5 ملايين دولار شهرياً إلى 2 مليون دولار.
هنا، وتعليقاً على حديث “أبو شقرا”، يذهب المصدر العراقي للتأكيد على أن المواجهة حالياً بين فريق “الكاظمي” والفريق الإيراني، ستبقى مفتوحة إلى فترة طويلة، مشيراً إلى أن الحكومة ورئيسها يعتمدان على سياسة النفس الطويل في التعامل مع نفوذ إيران، لا سيما وأنه نفوذ عمره 17 عاماً ووصل إلى أدق مفاصل اتخاذ القرار العراقي، في إشارة إلى مدى صعوبة مهمة “الكاظمي”.
خطوات أكثر جرأة وما ترديه الولايات المتحدة
الأمريكيون من جهتهم، يلعبون وفقاً لما يراه المحلل السياسي “أياد العنبر”،دوراًكبيراً في ما يشهده العراق من تقلبات، معتبراً أن الولايات المتحدة، تنتظر من رئيس الحكومة العراقية خطوات عملية فيما يتعلق بالحد من نفوذ الجماعات المسلحة.
وكانت أجهزة الامن العراقية قد اعتقلت قبل أسابيع عناصر خلية تابعة لحزب الله العراقي، على خلفية تخطيطها لشن هجمات ضد مصالح الولايات المتحدة في العراق، ما أحدث توتراً أمنياً في البلاد، قبل أن تعود وتفرج عنهم في وقت لاحق.
كما يشير “العنبر” إلى أن “الكاظمي” مطالب بالقيام بخطوات أكثر جدية حيال الميليشيات، معتبراً أن “الكاظمي حسم أمرا مهما بسحب مناصب أمنية مهمة كان يستحوذ عليها الفياض لسنوات وحصر عمله فقط بهيئة الحشد الشعبي، وهو ما سيسمح بتحسين أداء تلك المؤسسات الأمنية في المستقبل، على حد قوله.
تزامناً، تؤكد صحيفة واشنطن بوست، أن إيران وفي مواجهة التقلبات العراقية، ستكون أكثر تشبثا بعناصرها، فيما لو حاول مصطفى الكاظمي مجددا بإصدارَ أوامر اعتقال بحقهم، مشددةً على أن رئيس الحكومة العراقية سيكون في اختبار حقيقي في أي خطوة تصعيدية ضد الميليشيات.