إيران.. لعبة الـ “جنرال وقت”
كان على العالم أن يفهم المعادلة الإيرانية:
ـ كلما ازددتم رخاوة ازددنا تشددًا.
والمسألة لاتتعلق بالسياسة والمصالح فحسب، بل وربما تتعلق بـ “العقيدة الإيرانية”، ونعني بها “عقدية الانتحار”، وربما لولاها لأدركت القيادة الإيرانية أن شعبها تحت خط المجاعة، وبأن يد “خميني” الميتة مازالت تحرك السياسة الإيرانية، بما فيها وبجزء لايستهان به:
ـ سياسة الشارع الإيراني.
والشارع شارعين، واحد تحت الأرض، والآخر فوقها، وليس من السهولة بمكان حسم الصراع مابين شارعين واحد ينتمي إلى “وعد الموت” والثاني ينتمي إلى “وعد الحياة”.
وهكذا لن تكون المفوضات مع الحكومة الإيرانية حول برنامجها النووي لتخلو من سابق المعطيات،
ـ واليوم؟
اليوم تكشف المصادر الأميركية والأوروبية أن مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 اصطدمت بعقبة كبيرة وهي مطالبة طهران بأن تقدم الولايات المتحدة ضمانات بأنها لن تنسحب مرة أخرى من الاتفاقية وتعيد فرض العقوبات، أقله هذا مانقلته “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
هذا الطلب جاء كرد فعل على انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015 ويبدو أنه هدف سياسي بالغ الأهمية لحكومة الرئيس الإيراني الجديد المتشدد وعلى خامنئي نفسه.
بحسب تقرير لـ “وول ستريت جورنال” فقد ردت الولايات المتحدة باستمرار أنه لا يمكن لأي رئيس أن يقيد يد من يخلفه قانوناً دون معاهدة تحتاج إلى حشد دعم ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وهو أمر لن يتوفر.
الإيرانيون يجيبون:
ـ لايعنينا ذلك.. اخلعوا أشواككم بأيديكم.
ومع توالي الردود الإيرانية التي ترفع جدرانًا بمواجهة الحلول الدبلوماسية، ثمة من يعتقد بأن الدبلوماسية قد استنفدت.
الدبلوماسية استنفذت مع أنه كان هناك تقدم في التفاصيل الدقيقة للاتفاق، بما في ذلك كيفية رفع العقوبات وكيف ستقلص إيران من أنشطتها النووية، وكيف يمكن تنفيذ الاتفاق على مدى عدة أشهر.
الكثيرون اليوم يخشون أن طهران غير مستعدة لعقد صفقة بسرعة كافية، فيما حذر المسؤولون الغربيون مرارًا من أن نافذة المحادثات قد تُغلق نظرًا للتقدم في الأنشطة النووية الإيرانية.
ومن خلال المطالبة بالتزام الولايات المتحدة الصارم بالاتفاق تسلط مخاوف إيران الضوء على نقطة ضعف رئيسية في اتفاقية 2015 حيث لم يتم التوقيع على الصفقة كمعاهدة مع ضمانات قانونية واضحة. وقد أكد اسمها الرسمي – خطة العمل الشاملة المشتركة – على أن هذه كانت مجموعة من الالتزامات السياسية وإن كانت تعهدات تم دعمها لاحقًا بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
في الأسابيع الأخيرة يقول دبلوماسيون غربيون إنهم بدأوا ينظرون إلى المطالبة بالضمانات على أنها هدف حاسم لمفاوضي إبراهيم رئيسي الذي يعتبر خليفة للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي طالب بنفسه بضمانات.
كما قال دبلوماسيان غربيان إن ضمان عدم شعور خامنئي بالحرج مرة أخرى بسبب الانسحاب الأميركي المستقبلي يبدو أنه هدف سياسي رئيسي.
وكان اتفاق 2015 أتاح رفع عقوبات اقتصادية عدة مفروضة على إيران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، إلا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية منذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018، معيدا فرض عقوبات قاسية على البلاد، ووسط تراجع إيراني مهول عن كافة الالتزامات.
واضح بأن الدبلوماسية، كما بات من الواضح بأن الحكومة الإيرانية تقفز إلى الأماما في تفعيل برنامجها النووي حتى باتت القنبلة النووية في جيبها، وكلما طال الوقت، كلما ازدادت الجرأة الإيرانية في الإقدام على السلاح الذي سيحقق لها تجنب الصرخة في لعبة عضّ الأصابع، فإذا ما استمر الحال على هذا الشكل من المراوحة في المكان على الصعيد الدبلوماسي، فلن تتوقف الأقدام الإيرانية عن التقدم باتجاه امتلاك هذا السلاح الذي سينًّب “كوريا شمالية” في العالم الإسلامي، ومن بعده لتمتد الأذرع الإيرانية الى المنطقة برمتها ليكون الدمار الشامل أو الاحتلال البغيض.
ـ إنه التردد الأمريكي لإدارة مشلولة أو عاجزة.
ـ إنه الكساح الأوروبي وتسليم القارة العجوز إلى الراعي الأمريكي الأكثر عجزًا.
اللعبة هي الوقت واستثمار الوقت واللعب على الوقت.
كل الجنرالات أقل فاعلية من “الجنرال وقت”.