fbpx

القات أداة الحوثيين لاستنزاف اليمن

قلما تظهر صورة في وسائل الإعلام لمسؤول حوثي في العاصمة صنعاء، من دون أن ويظهر إلى جانبها مجموعة من العساكر الحوثيين وهم يمضغون القات، حتى بات البحث عن الصورة الصحافية بلا صورة القات، أمراً شاقاً يصعب وجوده. معاناة أهل اليمن تكاد تكون فريدة من نوعها، فقبل حرب اليمن الأخيرة، كانت ثمة معركة قد استنزفت المجتمع اليمني وعلى مدار سنوات طويلة، وسيطرت على مجمل الحياة هناك، وأنهكت البلاد إنهاكاً لا مثيل له، تلك هي (معركة القات) الذي اجتاح الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وأخضعها بالكامل لسيطرته، بحيث لم يعد هناك من يجرؤ على انتقاد هذا المحتل الجديد الذي جثم على صدر اليمن عشرات السنين، إذ جاء قبل الاستعمار، وبقي بعده، وشارك في الربيع العربي، وشارك في الحرب الأخيرة، وظل صاحب الصورة في وسائل الإعلام.

  • الحوثي والقات

أسس حزب الله شبكته العالمية لتجارة المخدرات من أجل تمويل شبكاته الإرهابية، وبدأ بالاعتماد على الأموال التي تدرها هذه الشبكة، خصوصاً بعد الأزمة المالية التي أخذت تعيشها طهران، وتوجه الحوثي نحو القات الذي يدر عليه الآن أرباحاً هائلة، خصوصاً من مزارع القات الكائنة بمحافظة حجة وغيرها، وتعتمد جماعة الحوثي على زراعة أغلى أنواع القات اليمني وبيعها، إذ يجري توريده إلى الأسواق المحلية والخارجية وبات يتجاوز دول القرن الأفريقي، ليصل إلى شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية وشمال أفريقيا، وذلك بعد استحداث طرق جديدة لتهريب القات والمحافظة عليه عشبة خضراء، أو من خلال ابتكار طرائق جديدة عبر تجفيفه وتهريبه معلباً بحسب ما أوردته تقارير صحافية. ويحصل الحوثيون على الأموال مباشرة عبر تجارة القات، أو بطرائق غير مباشرة، من خلال الضرائب التي يفرضونها على تسويقه وبيعه، بما في ذلك الضريبة التي تعادل 10 في المئة التي كانت تُفرض على التجارة المحلية للقات، فضلاً عن مزارعه التي جرى الاستيلاء عليها بعد دخولهم إلى العاصمة صنعاء.

  • منشأ القات

ذكر الرحالة الألماني (كارستن نيبور) أن مضغ أوراق أشجار القات كان منتشراً في اليمن عام 1762 في المناطق الشمالية منه، ولكن القات كان موجوداً في اليمن في القرن الرابع عشر الميلادي بحسب ما ذكره (المقريزي في كتابه: الإلمام بأخبار من أرض الحبشة) ما يعني أن انتشار القات كان قبل وصول الرحالة كارستن إلى اليمن، وكانت الحكومة البريطانية التي تسيطر على مدينة عدن في الجنوب، قد أصدرت عام 1844 رخصاً تجارية سمحت بموجبها لعدد محدود من التجار ببيعه، مقابل ذلك فرضت ضرائب باهظة في مناطق سيطرتها على استخدامه بغية الحد منه، لكن القات واصل صعوده خصوصاً في مناطق الشمال الجبلية التي ظلت تاريخياً تحت سلطة القبائل التي كانت تزداد ثراءً بفعل تجارته، وتزداد سطوتها وقوتها. وبينما أدرجته منظمة الصحة العالمية عام 1973 ضمن المواد المخدرة، غير أن تجارته استمرت في النمو، لأسباب عدة أبرزها أن القات كان في ذلك الوقت قد أصبح متجذراً في المجتمع اليمني، وبات قيمة اجتماعية واسعة الانتشار بين الناس، إذ إن جلسات تخزين القات، كانت قد تسللت إلى الوسط الاجتماعي والثقافي، ومختلف مكونات الدولة ذاتها، ولم تنفع بعد ذلك أي من الحملات الثقافية المتواضعة بالتقليل من استخدامه، والسبب أن قوة مجتمع القبيلة واعتمادها على القات وما يدره من أموال، كان يطغى على أي نشاط معارض له.

  • استنزاف

الجوع هو سمة ملازمة للمأساة اليمنية، ويعود ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها مسألة الاستنزاف التاريخي للأراضي، حيث قضت زراعة القات على مزارع القهوة اليمنية الشهيرة، ثم بدأت تقل مساحة الأراضي الزراعية المزروعة بمختلف أنواع الخضار والأشجار، لمصلحة انتشار مزارع القات التي بقيت تدر أرباحاً خيالية على أصحابها، بينما كان المخزون الغذائي اليمني يتراجع وتتراجع عموم أنواع الزراعة، لحساب مزارع القات. ومع التقلبات المناخية، وكثرة استنزاف الآبار الجوفية التي تعدّ المخزون الأساس للمياه العذبة، باتت أشجار القات تستهلك ما قرابته 70 في المئة من المياه الجوفية، وهو ما ينذر العاصمة صنعاء بالعطش بعد أقل من 20 سنة بحسب تقديرات الخبراء، ما يعني بالضبط، أن القات أخذ يتسبب بأزمة بيئية خانقة، نتيجة كثرة استهلاكه للمياه، على حساب بقية الزراعات، وعلى حساب البشر أيضاً.

  • القات والزحف الحوثي إلى العاصمة

مع بداية الأزمة اليمنية دخل الحوثيون على خط الانقسام الداخلي بغية تغيير مساره بما يخدم توجهاتهم السياسية، فقد نصب الحوثيون الخيام إلى جانب المعتصمين في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء، وأغرقوها بالقات لجلب مناصريهم إليها، ومن ثم بدؤوا بتوسيع دائرة الاعتصامات لكي تشهد منافذ العاصمة كافة، وصولاً إلى تعطيل حركة المطار وغيرها، وكان لحضور القات الحوثي وقعاً في الخيام جميعها. وعندما بدأ زحف الحوثي العسكري صوب العاصمة، كانت قد سبقت ذلك الحملة الإعلامية الشهيرة التي جاءت تحت مسمى ارتفاع أسعار(الجرعة) والمقصود بذلك هو زيادة أسعار الوقود التي كانت قد لاقت سخطاً شعبياً بسبب الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فضلاً عن الحاجة إلى الوقود أصلاً لضخ المياه من الآبار لأجل زراعة القات، غير أن الحوثي وبعد دخوله العاصمة اليمنية أعاد مراراً رفع أسعار الوقود، من خلال اختلاق أزمات خانقة له، إذ كان يذهب إلى مزارع القات، ما كان يوقع أعباءً إضافية على المدنيين، فضلاً عن مسألة رفع أسعار القات كثيراً، خصوصاً أن القات في اليمن الذي يمتد وجوده فيها مئات السنيين، فقد كان من الصعب جداً إخراجه من بين أيدي الناس أو كف أيديهم عنه.

  • القات معاناة إضافية

الدراسات الدولية الصادرة عن البنك الدولي وأيضاً منظمة العمل الدولية، كشفت أن إنفاق اليمنيين على القات سنوياً يصل إلى 1.6 مليار دولار أمريكي، وأشار التقرير إلى أن حجم الإنفاق على القات يبلغ 35 في المئة من دخل الأسرة اليمنية، بينما يتعاطى القات قرابة 80 في المئة من الرجال، و60 في المئة من النساء والأطفال، ولكن التقديرات الحالية باتت مختلفة، فنسبة المتعاطين لم تتقلص بسبب الأوضاع الاقتصادية، بل انحسرت قدرات العائلة في  تأمين الطعام، ففي العام الماضي أعلن برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة قبل أشهر، أن 64 في المئة من سكان اليمن لا يعرفون كيف سيؤمنون وجبتهم التالية، بينما هناك نحو 8 ملايين يمني على مشارف مجاعة حتمية، وهي أرقام مهولة، تعكس حجم مخاطر القات خصوصاً في ظل الحرب الدائرة.

  • القات والمستقبل

التنمية في اليمن بعد انتهاء الحرب سوف تكون واحدة من أعقد مسائل التنمية في العالم، لأن الأموال الطائلة التي تجنيها مزارع القات لا تصب في النهاية ضمن الناتج الوطني، وإنما تصب في خدمة جيوب المنتفعين منها، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن القات يعمل على سحق المنتج الزراعي المحلي، كما يعمل على استنزاف المياه الجوفية التي باتت محدودة أصلاً، إضافة إلى العبث بالبيئة الاجتماعية والصحية للإنسان اليمني، بعد ثبوت انتشار أمراض مستعصية، نسبت المنظمات الدولية بعضها إلى تعاطي القات. يبقى أن مؤسسة القبيلة اليمنية، والبيئة الاجتماعية تتمسك بهذا المنتج القاتل، وتحول دون منع انتشاره، ما يعني أن أزمة اليمن حتى ما بعد انتهاء الحرب، هي أزمة طويلة وشاقة، ومحزنة. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى