الأطفال في مواجهة الموت.. المجاعة تضرب غزة وتهدد حياة الآلاف

مرصد مينا

في خيمة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار في منطقة المواصي بخان يونس جنوبي قطاع غزة، تصارع الطفلة شام قديح، التي لم تُكمل عامها الثاني، الموت يومياً نتيجة سوء تغذية حاد، في ظل شح المواد الغذائية والطبية وتدهور الأوضاع البيئية والمعيشية. وهي واحدة من آلاف الأطفال في القطاع الذين يتهددهم خطر المجاعة، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق وسط حرب دموية مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي ضد أهالي القطاع منذ نحو 22 شهراً.

والدتها، إسلام قديح، رُزقت بها بعد تسع سنوات من المعاناة عبر عملية تلقيح صناعي، لكن الطفلة ولدت بتضخم في الكبد وتعاني من سوء تغذية حاد.

تقول الأم: “تنقلنا بين المستشفيات، ولكن غياب العلاج والموارد الطبية زاد حالتها سوءاً”.

وزن الطفلة لم يتجاوز 4.5 كيلوغرام رغم اقترابها من عامها الثاني، وتبدو عظامها بارزة، وأمها بالكاد تستطيع حملها.

إسلام، مثل كثير من الأمهات، لا تستطيع شراء الحليب أو الحفاضات أو الطعام الصحي، فيما تغيّر لون أسنان ابنتها نتيجة نقص الكالسيوم والفيتامينات. وقد ناشدت منظمات إنسانية ودولية التدخل لإنقاذ حياة طفلتها، بعدما فقدت الأمل في أي علاج داخل القطاع المحاصر.

الموت الصامت في غزة

بحسب وزارة الصحة في غزة، توفي 154 شخصاً جراء سوء التغذية منذ اندلاع الحرب، بينهم 89 طفلاً، فيما سُجل خلال شهر يوليو وحده 90 حالة وفاة، وهو أعلى رقم منذ بداية الحرب.

وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 28,677 شخصاً تم تصنيفهم كحالات سوء تغذية، بينهم 260 ألف طفل دون سن الخامسة، وأكثر من 100 ألف امرأة حامل، إلى جانب عشرات الآلاف من كبار السن والجرحى المعرّضين لمضاعفات غذائية خطيرة.

من بين الحالات المؤلمة، الطفلة ولاء جودة (6 أعوام)، التي تساقط شعرها وأسنانها بسبب نقص الفيتامينات والمعادن. تقول والدتها إنها تضطر إلى تفتيت الخبز حتى تتمكن ابنتها من ابتلاعه، ولا تجد سبيلاً لتوفير الغذاء المناسب لها في ظل الغلاء وندرة المواد الأساسية.

ووفق بيانات برنامج الأغذية العالمي، ارتفعت معدلات سوء التغذية بين الأطفال تحت سن الخامسة أربع مرات خلال الأشهر الأخيرة. كما حذّرت الأونروا من تضاعف حالات سوء التغذية بين مارس ويونيو، موضحة أنها سجلت أكثر من 5,500 حالة سوء تغذية حاد شامل، وأكثر من 800 حالة سوء تغذية حاد وخيم.

انهيار طبي ومجاعة شاملة

الدكتور أحمد الفرا، اختصاصي طب الأطفال في مجمع ناصر الطبي، وصف الوضع في غزة بـ”الكارثي”، مشيراً إلى أن المستشفيات لا تملك القدرة على توفير العلاج المناسب بسبب النقص الحاد في الأدوية والمغذيات الأساسية.

وقال إن منع دخول فيتامينات وكالسيوم ومواد طبية ضاعف من حالات سوء التغذية، خصوصاً بين الأطفال الرضع والصغار.

ويؤكد تقرير مشترك صادر عن وكالات أممية أن غزة تشهد “أسوأ سيناريو مجاعة حالياً”، مشيراً إلى أن الإلقاء الجوي للمساعدات غير كافٍ، ويجب استئناف إدخال الإمدادات عبر الطرق البرية لضمان الوصول الفعّال والسريع للمحتاجين.

في ظل هذه الظروف، يبدو أن كارثة إنسانية شاملة باتت تفتك بسكان القطاع، خصوصاً الأطفال، في ظل صمت دولي وتقصير في الاستجابة الإنسانية الكافية.

تحذيرات أممية

وتشير أحدث تقارير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصادرة يوم الثلاثاء إلى أن قطاع غزة يواجه أخطر مراحل المجاعة منذ بداية الحرب الجارية، مع تجاوز مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية لعتبتين من أصل ثلاث في أجزاء واسعة من القطاع.

وحذرت وكالات أممية من بينها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” من نفاد الوقت لإطلاق استجابة إنسانية عاجلة وشاملة، تحسباً لتدهور الوضع أكثر.

وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في بيان مشترك إن استمرار الصراع، وانهيار الخدمات الأساسية، وقيود شديدة على إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية المفروضة على الأمم المتحدة، أدت إلى خلق ظروف كارثية للأمن الغذائي لمئات آلاف الأشخاص في جميع أنحاء قطاع غزة.

ويعيش قطاع غزة حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث تتداخل مأساة المجاعة مع حرب مدمرة تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023.

وفرض الاحتلال منذ 2 مارس 2025 إغلاقاً كاملاً لجميع المعابر مع القطاع، مما أدى إلى منع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، وتفاقم أزمة المجاعة وانتشار سوء التغذية.

وحذرت الأونروا من أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعفت بين شهري مارس ويونيو 2025، مؤكدة أن الحصار المستمر أعاق بشكل كبير وصول الغذاء والعلاج اللازمين للأطفال الأكثر ضعفاً.

كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات “مقلقة للغاية”، مشيرة إلى أن واحداً من كل خمسة أطفال تحت سن الخامسة في مدينة غزة يعاني من سوء تغذية حاد، وأن تأخير المساعدات والقيود المفروضة كان لهما أثر مباشر في فقدان أرواح كثيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى