الانتخابات الليبية.. معضلة تركية وتوافق دولي وعودة رسمية للوريث السابق
مرصد مينا – هيئة التحرير
تطورات متسارعة تشهدها ليبيا في ظل اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة نهاية العام الجاري، مع الإعلان رسميا عن تقديم “سيف الإسلام القذافي” نجل الزعيم الليبي الراحل “معمر القذافي”، أوراق ترشحه لانتخابات الرئاسة، تزامناً مع تأكيد المجتمع الدولي خلال مؤتمر باريس على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها والتهديد الأمريكي لمعرقلي الاستحقاق الانتخابي.
يشار إلى أن المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا أعلنت في السابع من نوفمبر الجاري فتح باب تسجيل المرشحين في الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة، وسط توقعات بأن تشهد الانتخابات ترشح عدد من المسؤولين الليبيين في مقدمتهم، قائد الجيش الليبي، “خليفة حفتر” ورئيس البرلمان “عقيلة صالح” ورئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة”.
فرص وتوافق قد تعيد الوريث
تعليقاً على ترشيح “القذافي” للرئاسة، يشير المحلل السياسي والخبير في شؤون شمال إفريقيا، “معمر الديراني” إلى أن حظوظ الوريث السابق للحكم بالفوز بالانتخابات ليست قليلة لا سيما وأن العديد من التيارات الليبية بدأت ترى فيه عامل استقرار للبلاد بحكم علاقاته الدولية الواسعة، التي بناها خلال تواجد والده في السلطة، لافتاً إلى أن ليبيا الآن تبحث عن حالة استقرار مستدام أكثر من أي شيء آخر.
إلى جانب ذلك، يشير “الديراني” إلى ان “سيف الإسلام” لا يزال يمتلك ولاءاً واسعاً في صفوف القبائل، خاصةً عشيرة القذاذفة، مبيناً أن كلمة القبائل سيكون لها وزنها في الانتخابات القادمة.
أما عن إمكانية إعادة إنشاء نظام والده الراحل، فيستبعد “الديراني” مثل ذلك السيناريو لعدة أسباب أهمها أن الوضع السياسي في ليبيا قد تغير تماماً عما كان عليه قبل العام 2011، بالإضافة إلى أن الكثير من أركان حكم “معمر القذافي” إما انشقوا على النظام إبان الثورة وإما قتلوا أو اعتقلوا، إلى جانب أن عائلة القذافي لم تعد تمتلك ذات القوة التي كانت لديها سابقاً مع مقتل عدد من أفرادها في مقدمتهم “خميس القذافي” نجل الزعيم السابق وذراعه العسكرية.
من جانب آخر، يستدرك “الديراني” بالتأكيد على أن مهمة “القذافي” لن تكون سهلة، خاصة إذا شهدت ليبيا ترشح كل من “خليفة حفتر” و”عقيلة صالح” و”عبد الحميد الدبيبة” لافتاً إلى أن كل المرشحين الثلاثة المحتملين يملكون بدورهم دعماً سياسياً ودولياً يجعلهم منافسين أقوياء على الظفر بالمنصب الرئاسي.
تزامناً، يشدد المحلل السياسي، “مراد عطالله” على أن المهم في ليبيا اليوم ليست خلفيات المرشح الرئاسي ولا تاريخه بقدر أهمية القدرة التي يمتلكها لإعادة الهدوء إلى ليبيا وإبعاد خطر العودة إلى دوامة الحرب والعنف مجدداً، لافتاً إلى أن أكثر ما تحتاجه ليبيا الآن هو إنشاء نظام سياسي قادر على معالجة الأزمات من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والمعيشية ويعيد إلى البلاد مكانها الطبيعي.
ويلفت “عطالله” إلى أن أهم ما هو مطلوب من الرئيس المقبل هو القدرة على إخراج الميليشيات والقوات الأجنبية من البلاد، الأمر الذي يتطلب شخصية قوية وحنكة سياسية وتوافق دولي، يؤمن له الدعم المطلوب، مشيراً إلى أن ليبيا لديها وضع خاص يحتاج إلى رئيس وحكومة بمواصفات خاصة.
مؤتمر باريس وكلمة المجتمع الدولي
يعتبر المحلل السياسي “عطالله” أن المجتمع الدولي من خلال مؤتمر باريس قد قال كلمته في ليبيا وبين أنه داعم لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر نهاية العام الجاري، لافتاً إلى أن الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” كانت تشير بشكل مباشر إلى ذلك الموقف.
وكان “ماكرون” قد أكد في تصريحات صحافية على أن مؤتمر باريس يدعم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المحدد، لافتاً إلى أن الاستقرار في ليبيا بات هدفاً عالمياً.
إلى جانب ذلك، يستبعد “عطالله” إمكانية تعطيل إجراء الانتخابات من أي طرف كان في ظل حالة الصرامة الدولية تجاه تلك الخطوة، خاصةً وان الموقف الفرنسي وما خرج به مؤتمر باريس ترافق مع موقف أمريكي أكثر صرامة وحدة تجاه معطلي الاستحقاقات الانتخابية والدستورية.
يشار إلى ان السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا “ريتشارد نورلاند”، قد شدد أمس السبت، على ضرورة إجراء الانتخابات دون أي جدل حول ذلك، مضيفاً: “لن يكون هناك عفو أو تسامح مع من يفكرون في عرقلة الانتخابات وهذه رسالة واضحة”.
دعم المجتمع الدولي للانتخابات الليبية يأتي من دعمه وسعيه لإحداث استقرار دائم في ليبيا، وفقاً لما يراه “عطالله”، معتبراً أن ما بعد فترة الانتخابات غالباً ما سيكون مختلفاُ عما قبلها، لا سيما في ظل تعهد الأطراف الليبية بقبول نتائج الانتخابات المنتظرة أياً كانت.
ويشدد “عطالله” على أن المجتمع الدولي يريد الاستقرار في ليبيا لمعالجة الكثير من الأزمات الفرعية التي خلفتها من بينها الهجرة غير الشرعية وملف انتشار التنظيمات الإرهابية في صحراء جنوب ليبيا، مؤكداً على أن كل ذلك شكل إرهاقاً للولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء.
يذكر أن نائبة الرئيس “كامالا هاريس” قد شددت على أن مشاركتها في مؤتمر باريس لخاص بليبيا تهدف إلى إثبات الدعم الأمريكي للشعب الليبي، حيث يخططون للانتخابات نهاية هذا العام ودعم قيام ليبيا مستقرة وموحدة وخالية من أي تدخل خارجي.
المعضلة التركية وخروج المرتزقة
التمسك التركي ببقاء قواته والميليشيات الأجنبية في ليبيا، لا يشكل عاملاً جديأ في التأثير على الانتخابات وفقاً لما يقوله المحلل السياسي، “بشير الزويتي”، معتبراً أن مؤتمر باريس قد شكل فعلياً جبهة دولية لمواجهة ما وصفه بـ “التعنت التركي” حيال سحب قواته من ليبيا.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إبراهيم كالين”، قد رد على دعوات الرئيس الفرنسي لإخراج القوات التركية من ليبيا، بالتأكيد على أن حضور بلاده في ليبيا يمثل قوة استقرار على حد قوله، لافتاً إلى أن وجود الجنود الأتراك في ليبيا جاء بموجب اتفاق مع الحكومة الليبية، في إشارة إلى حكومة الوفاق السابقة، التي كانت محسوبة على تيار الإخوان المسلمين المقرب من تركيا.
في ذات السياق، يشدد “الزويتي” على أن استمرار الوجود العسكري التركي يتعارض مع مبادئ الاستقرار الليبي المعتمدة والمدعومة دولياً، ما يعني أن تمسك أنقرة بموقفها قد يجرها إلى مواجهة دولية كبيرة، لافتاً إلى أن الموقف التركي حالياً يسبح عكس التيار الدولي.
من جهته، يقول الخبير في الشؤون التركية “جيان ملا محمد”: “الأوضاع الحالية في تركيا والأزمات الاقتصادية واقتراب البلاد من موعد الانتخابات الرئاسية، التي يخطط أردوغان من خلالها للاحتفاظ بالسلطة لولاية رئاسية جديدة، تحد من قدرة تركيا على مواجهة المطالب الدولية وتعنتها اللامحدود بقضية الانسحاب من ليبيا”، مشيراً إلى أن تركيا لن تكون قادرة على مواجهة عقوبات اقتصادية جديدة قد يفرضها المجتمع الدولي عليها.
ويبين “ملا محمد” أن استمرار الحكومة التركية بتمسكها في الوجود العسكري يعني أنها تدفع تركيا باتجاه تكرار السيناريو الإيراني، موضحاً: “المجتمع الدولي سيتجه في معظم التقديرات إلى محاصرة تركيا اقتصادياً ما يعني انهيار جديد في الاقتصاد التركي ولحاقه بالاقتصاد الإيراني، وهو ما قد يدخل حكومة العدالة والتنمية في دوامة أزمة داخلية شديدة قبيل أشهر من الانتخابات، وهذه ما تدركه تماماً حكومة أنقرة”.
يذكر أن الاقتصاد التركي شهد الأسبوع الماضي، هزة قوية هي الأولى من نوعها منذ نحو 20 عاماً، مع انهيار سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، الذي سجل 10 ليرات تركية مقابل الدولار الواحد.
كما يضيف “ملا محمد”: “لذا يمكنني القول بأن تصريحات كالين ليست إلا محاولة لتحويل الوجود التركي العسكري في ليبيا إلى ورقة مساومة مع الدول الغربية للحفاظ على شيء من مكتسبات أنقرة هناك من الناحية السياسية أو الاقتصادية على أقل تقدير، فحكومة الرئيس أردوغان تعلم تماماً أن جيشها في ليبيا سيخرج في نهاية المطاف”، معتبراً أن الانتشار العسكري التركي في ليبيا بات من ناحية وجهة النظر الدولية يشبه تماماً سيناريو انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا.
يشار إلى أن الرئيس الفرنسي قد دعا في ختام مؤتمر دولي حول ليبيا في باريس تركيا وروسيا إلى سحب المرتزقة من ليبيا “بدون تأخير” لأن وجودهم “يهدد الاستقرار والأمن في البلاد والمنطقة برمتها، على حد قوله، لافتاً إلى أن المؤتمر قد أقر خطة لمغادرة القوات والمرتزقة الأجانب.