التصويت على “اللوكيميا”
مرصد مينا
على غير عادة هذا الطراز من الانظمة، ونعني “دكتاتوريات العالم الثالث”، أعلن القصر الجمهوري في سوريا إصابة “السيدة الأولى” بـ “اللوكيميا”، وهو ما اعتبره البعض جرياً وراء العادات الملكية كما حال سكان قصر باكنغهام، فيما ذهب آخرون لاعتباره غطاء لاستبعاد السيدة أسماء الأسد عن السياسية وصولاً لنفيها، فيما ضجت مواقع التواصل، بعضها بامتداح ما درجت على تسميته بـ “سيدة الياسمين”، وبعضها بـ “الشماتة” وصولاً لتمنيات من طراز “الحبل على الجرار”.
طالبوا الشفاء للسيدة الأولى اشتغلوا على إطراء السيدة دون تقديم أيّ مبرر لإطراءاتهم ودون الاستشهاد بأي من الانجازات للسيدة المصابة، ذلك أن ليس للسوريين أية ذاكرة لأي إنجاز يتصل بها / اللهم إلاّ إذا اعتبرنا زواجها من الرئيس انجازاً وطنياً/ فيما ذهب الشامتون إلى ربط السيدة بالكارثة السورية باعتبارها شريكة المسؤول الأول عن الكارثة بتداعياتها.
مما قرأناها على “الفيس بوك”، ثمة من يكتب “في كل مناسبة تفرح قلوب المقهورين, كما في هذه الأيام الفضيلة, يصرخ بوجهنا بعض مثقوبي الضمير قائلين: “لاشماتة في الموت”. بما يعني أيضاً, منطقياً, أنه لاشماتة في ” المرض” كائناً ما كان هذا المرض بما في ذلك مرض ” اللوكيميا”.
صاحب المنشور اعتبر أن تلك اللغة هي تعبير عن التعالي الأخلاقي، وهو حسب وصفه ” هو من صميم البنية الأخلاقية للسلطة والهيمنة الإجتماعية السائدة في المجتمعات الأبوية التي تعاني التفسخ والانحلال بكل مستوياته”.
أضاف “هذه السلطات التي تعشق الحروب, وتخلق الميليشيات, وتزعزع المجتمعات المدنية, وتقطع بمصائر الناس, وتحيل الحياة إلى جحيم, وتتدثر بالأديان, هذه السلطات تفرز بطريقة جانبية غير مباشرة وغير واضحة, شريحة اجتماعية تحمل سلاح الكلمة وتتبنى مهمة الدفاع عن تلك الهيمنة السائدة عبر الدفاع عن بنيتها الأخلاقية السائدة, بوعي منها أم بغير وعي”.
من التعليقات اللافتة على هذا المنشور “لاشماتة في الموت بحد ذاته, فهو يطال كل الكائنات, ولكننا نشمت بالكائن الشرير وقد طاله الموت, خصوصاً وأننا على يقين أننا عاجزون عن إيقاف هذا الشر ومحاكمته ومعاقبته”.
“لاشماتة في الموت” هي عبارة أصحاب الأخلاق المثقوبة, والضمائر المثقوبة, عندما لايرى هؤلاء أن الموت المقصود هنا, والشماتة المستتبعة له, هو الفرح الطبيعي بحكم قضائي قررته الأقدار بموت من كان مصدراً للموت الكثير, وعدواً للحياة.
تجرّد السلطات القمعية في كل حين ضحاياها من اسلحتهم المادية, والفكرية, ليأتي بعدها حماة الأخلاق السائدة ليجردوا هؤلاء الضحايا من أضعف أشكال تمسكهم بقيمتهم الإنسانية وكرامتهم, صارخين بوقار زائف: لاشماتة بموت القتلة.
نحن لانحمل السلاح ابداً حتى في وجه القتلة, ولكننا نشمت بموتهم بقدر مايخفف ذلك من قهر الأرواح المنكوبة.
ومن التعليقات اللافتة كذلك كان “الشماتة بهكذا امر موقف سياسي بحت مثله مثل الفرح ببقاء طاغية او الحزن بموته ، ولنتذكر قول تيموثي سنايدر سنايدر في كتابه حول الطغيان بهذا الخصوص كي ننتهي من هذا الهراء ( الاخلاقي بهكذا امر)
الحياة مُسيَّسة، لا لكون العالَم يكترث بمشاعرك، وإنما بسبب تفاعله مع تصرُّفاتك، الخيارات الصغيرة التي نتخذها، تمثّل في الواقع لونًا من التصويت”.