الحرب التي “لن تقع”
العالم يقف على قدم واحدة ووجهه للحائط بمواجهة “حرب عالمية ثالثة”.. ثالثة تعني الكثير، بما يجعل الحربين الأولى والثانية ملهاة بالقياس مع ما يمكن أن تحدثه لعنة الثالثة.
ولم لاتكون الحرب؟
كل ما يستدعيها إطلاق المفجّر، الكبسولة، الذريعة، وقد توفرت للحرب العالمية الاولى باغتِيال وليّ عهد النمسا، تُرى ما هي الذّريعة التي تطبخ اليوم؟
المطابخ واسعة ونشطة، فثمة مطبخ أمريكي بإدارة بايدن وكان طباخه إلى أجل غير مسمى هنري كيسنجر وتلامذته، فيما فلاديمير بوتين هو الطبّاخ الروسي وحده وإن كان مستشاروه لايقلون صلابة عنه.
الأمريكان يشتغلون مع روسيا اليوم بالصيغة العراقية، يعني “عاصفة صحراء “، ثمة من يقول ذلك، وإن بتعبير آخر “هناك عاصفة صحراء وهنا وعاصفة جليد”، ولكن لن يكون الأمر كذلك، فلا فلاديمير بوتين هو صدام حسين، ولا جليد روسيا هو رمال العراق، ولقاء القمّة بين بوتين ونظيره الصيني الجديد شي جين بينغ وضع أُسس تحالف جديد عِماده صواريخ نوويّة أسرع من الصّوت تِسع مرّات، إن لم يكن أكثر، قادرة على الوصول إلى الشّرق الأمريكي في غُضون سبع دقائق على الأكثر، وهذا مالم يتوفر لصدام حسين بعد أن ثبت أن مدفعه العملاق ليس سوى ماسورة ماء.
يتبقّى الرهان الامريكي على مواجهة الروس بالأوربيين، فالمطلوب من أوروبا أن:
ـ تردع أوروبا روسيا.
مايعني:
ـ أن تفعل أوربا ذلك بالنيابة عن الأمريكان؟
على الضفة الروسية، تحدث بوتين عدة مرات إلى قادرة أوربيين، وحذرهم من أن الرفض الغربي للمطالب الروسية سيوصل الغرب إلى “طريق مسدود”.
وعلى الضفة الأمريكية، حذر بايدن من أن غزواً واسع النطاق سيكون بمثابة كارثة بالنسبة لروسيا، أما إذا كان توغلاً بسيطاً، فإن الأمر سيؤدي إلى تصارع غربي حول ما يجب فعله”.
البيت الأبيض شدد على أن أي تحرك روسي عبر الحدود سيشكل غزواً، لكنه أشار إلى أن لدى روسيا أسلحة أخرى، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والتكتيكات شبه العسكرية.
روسيا وزعت 500 الف جواز سفر روسي في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، فإذا لم تحصل على ما تريد، فيمكنها أن تبرر أي إجراء تقوم به بأنه لحماية مواطنيها.
الهدف الروسي واضح ووحيد وهو إبعاد الناتو عن حديقتها الخلفية، والدول الأعضاء في حلف الناتو رفضوا بشكل قاطع أي محاولة لتقييد حركتها في هذا الصدد مستقبلاً.
الرد الأمريكي واضح أيضًا وقد جاء على لسان نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان: “لن نسمح لأي شخص أن يعرقل ويحد من سياسة الباب المفتوح للناتو”.
رئيس أوكرانيا يبحث عن جدول زمني واضح للانضمام إلى الناتو، ويقول “ليس لدى روسيا حق النقض، ولا يحق لها التدخل في هذه العملية”.
دول أوربية من مثل السويد وفنلندا غير الأعضاء في الناتو، رفضت محاولة روسيا لمنعهما من تعزيز علاقاتهما مع الحلف، وقالت رئيسة وزراء فنلندا: “لن نتخلى عن هامش المناورة لدينا”.
وتبقى اوكرانيا هي الملعب، وقد تكون الضحية في صراع الفيلة هذا، ويبقى لدى الأوكرانيين السؤال.. السؤال يقول:
ـ إلى أي مدى سيدعم الغرب أوكرانيا؟
الولايات المتحدة لا تخطط لإرسال قوات قتالية إلى أوكرانيا بينما تلتزم بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن “أراضيها السيادية”، ما يعني ألف إشارة استفهام وإشارة تعجب.
وما يعني أن أمريكا لن تحارب، ويعني زج الاوكرانيين وحدهم بمواجهة الروس، وكفى شر القتال باستثناء:”استخدام الأدوات الرئيسية في ترسانة الغرب هي العقوبات والمساعدات العسكرية على شكل مستشارين وأسلحة”.
وماذا تعني العقوبات؟
لاشيء، فهي لم تعني شيئًا حتى بالنسبة لهزيل من مثل بشار الأسد ومن قبله صدام حسين.
بايدن يقول:
ستكون الضربة الاقتصادية القاضية هي فصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع السريع الدولي. لطالما كان يُنظر إلى ذلك على أنه الملاذ الأخير، لكن لاتفيا قالت إنها سترسل رسالة قوية إلى موسكو أيضاً.
وثمة تهديد رئيسي آخر هو منع تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي في ألمانيا، حيث تنظر في ذلك حالياً الهيئة المشرفة على قطاع الطاقة في ألمانيا.
ـ وماذا يعني هذا أيضًا؟
يعني أن يؤكل الألمان بالبرد.
قد تكون هناك إجراءات تستهدف صندوق الثروة السيادي الروسي أيضاً، أو فرض قيود على البنوك التي تحول الروبل إلى عملات أجنبية.
سيوجع الروس ولكن “لن يقهرهم”.
بعد كل ذلك:
هل الغرب موحد حول كيفية الرد؟
قالت واشنطن إنها ملتزمة “بالعمل بشكل وثيق” مع حلفائها، لكن هناك تباينات بين الولايات المتحدة وأوروبا.
يصر القادة الأوروبيون على أن روسيا لا يمكنها أن تحدد بالتعاون مع الولايات المتحدة مستقبلها. واقترحت فرنسا أن يعمل الأوروبيون جنباً إلى جنب مع الناتو ثم إجراء حوارهم الخاص مع روسيا.
ويريد الرئيس الأوكراني عقد قمة دولية لحل الأزمة بين بلاده وروسيا بمشاركة فرنسا وألمانيا إلى جانب روسيا.
ما يقوله بايدن وما تريده أمريكا ليس سوى :
ـ أيها الأوكرانيين قاتلوا الروس.
بايدن الهرم، والزعامة الامريكية التي باتت هرمة كذلك ستقررها اللحظة الراهنة، فـ :
ـ إما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا.
ليس نكتة مايحدث، ولكنه قابل للتنكيت أيضًا، ولكن الحرب إذا ماوقعت فلابد أنها هذه المرّة لن تبقي ولن تذر.
لهذا :
ـ لن تقع.