الحرب السريّة مابعد اغتيال محسن فخري زاده
ليس اغتيال محسن فخري زاده هو الاغتيال الأول الذي يتعرض له علماء وخبراء ينتمون إلى البرنامج النووي الإيراني، فالحرب الاستخباراية ممتدة على مدى سنوات طويلة مابين تل أبيب وطهران، فقد سبق هذا الاغتيال حزمة من الاغتيالات من بينها اغتيال مسعود علي محمدي في تشرين الثاني 2010، كما اغتيال مجيد شهرياري وقد اغتيل وعائلته في كانون الثاني 2010، وفريدون عباسي دواني في اليوم نفسه الذي اغتيل فيه شهرياري، وكان عباسي-دواني أصيب هو وزوجته في انفجار سيارة ملغومة، ومن بعده كان اغتيال مصطفى أحمدي-روشن ويشار إلى أنه كان محاضرا في الجامعة وحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء. وجميعهم ينتمون إلى البرنامج النووي الايراني، حتى لو قال نائب وزير الداخلية الإيراني وقتها إنه لم يكن لمصطفى أحمدي روشن صلة بالبرنامج النووي الإيراني بعد أن أشارت تقارير أولية في بعض وسائل الإعلام إلى مثل تلك الصلة.
إنها الحرب السرية التي لم تتوقف، ولابد أن اغتيال محسن فخري زادة لن يكون الاغتيال الأهم وإن كان زاده يلقّب بـ “أبو البرنامج النووي الايراني”، غير أن أهمية الاغتيال تأتي من التوقيت، وهو التوقيت المستقطع ما بين ولايتي دونالد ترامب وجو بايدن، ليكون هذا الاغتيال بمثابة رسالة إلى الإدارة الأمريكية القادمة:
ـ لاتصالح مع إيران.
أعقاب الاغتيال بساعات (ومازلنا في الساعات الاولى)، كانت محطات التلفزة تُغرق ضيوفها ومشاهديها بالسؤال:
ـ ماذا بعد الاغتيال، وما شكل الرد االإيراني عليه؟
من جهة الايرانيين ذهبت الخارجية الايرانية كما الحرس الثوري الى تكرار خطابها المعهود:
ـ نحتفظ بحق الرد.
وكان احتفاظها بحق الرد هذا قد امتد لسنوات دون أي رد بما فيها عدم الرد على اغتيال قاسم سليماني ذراع الولي الفقيه وصندوق أسراره، واليوم ليس ثمة ما يقول بأن طهراان سترد، وكانت قد اتهمت اسرائيل باغتيال عالمها النووي، فالرد يعني هدم الهيكل على من فيه، ذلك أن البوارج الأمريكية في الخليج، وفي الوقت المستقطع مابين ولا يتين رئاسيتين، جاهزة لقصف ايران مدنًا ومواقع أسلحة ومخازن أسلحة نووية، وهو ما تعلمه القيادة الايرانية جيدًا وكانت وقبل أسبوع واحد فقط قد أرسلت مبعوثًا الى لبنان، يحذّر حزب الله من أية حماقة على الحدود مع إسرائيل، ما يعني أنها تدرك حجم المخاطر المترتبة عليها فيما لو أقدمت مباشرة أو عبر أذرعها بإثارة حرب في المنطقة، فالبلاد تنوء تحت أعباء الفقر والعقوبات، كما تنوء تحت وابل من الصراعات الداخلية، جزء منها تلك الصراعات ما بين الجيش النظامي والحرس الجمهوري، كما بين الحكومة الرسمية والمعارضة الايرانية، دون نسيان حركات الشباب الاعتراضية، وهي حركات تحتل تحت الارض في طهران، وتقف بمواجهة الملالي وحكمهم، فإذا ماكانت الحرب، فلابد أن تنهض هذه المعارضات، هذا دون نسيان الثغرات الأمنية الهائلة في جسد النظام الايراني ولولاها لما تيسر اغتيال تلك الشخصيات، ماينبئ بتشققات واسعة في الاجهزة الأمنية الايرانية، تلك التشققات التي تسمح بكل هذه الاختراقات، وليس هذا حال أجهزتها الأمنية في إيران وحدها، بل وفي أجهزتها الأمنية المنتشرة في سوريا ولبنان، وليس أدل على ذلك من اغتيالين كبيرين شهدتهما العاصمة السورية دمشق، لقيادات تنتمي الى المشروع الايراني وهما عماد مغنية وسمير القصير.
بالمحصلة، ستحتفظ الحكومة الايرانية بحق الرد، ولكنها ستحتفظ به طويلاً فإذا ما أقدمت عل ممارسة هذا الحق، فليس لذلك سوى معنى واحد:
ـ دمار ايران.
وكان لحكّام ايران نموذج لابد وأنهم يتذكرونه جيدًا:
ـ صدّام حسين.
ملالي ايران أكثر تعقلاً من صدّام حسين وإن كانوا أشدّ إجرامًا منه.