الخمينية و فلس/ طين
نبيل الملحم
ليس صدفة، فالصدفة حين تتكرر تتحول إلى ظاهرة، وربما إلى قانون، ومن المتكرر أنه حيث وضعت “الخمينية” أقدامها تيّبست الأرض وتصحرت ليحل اليباس، ومعه الحروب، والأمثلة حتماً سنجدها في لبنان والعراق واليمن ولا بد في سوريا، هذا عداك عن غزة وقد تحوّلت بفعل الإيراني (اعظم شركاء بنيامين نتنياهو) إلى أرض بلا سكّان.
مع الخمينية تحوّل سوق الحميدية، وكان السوق الأعذب مع توأمه “الموسكي” القاهري إلى سوق للّطميات، غابت عنه بنجيرة العازف المجهول، وبات أكثر كآبة من قبر بارد مهجور، ومع الخمينية تحوّل سوق “اتفضلي ياست” إلى سوق طارد، لا عرائس تتبضّع منه، ولا صبايا يتزيّنون بألوانه الراقصة.
ومع الخمينية تحوّل كل ما في سوريا إلى “اقتصاد حرب”، لجيش لم يخض معركة واحدة لـ “تحرير فلسطين” وهو الشعار الذي رضعه النظام، فتقيأ بلداً على أرصفة العالم ليغدو تحرير فلسطين من (الصهاينة) أكثر سهولة من تحرير الشام من قطّاع الطرق والناهبين، ومع الخمينية خُرّب لبنان بعد أن “باس التوبة” وبعد أن التفت مع رفيق الحريري لاستعادة المدنية والموسيقى والمهرجان، فقتل لبنان مع مقتل الحريري مرة ثانية ليساق إلى حواف الحرب الأهلية بعد أن بات أهله بمواجهة واحد من خيارين:
ـ إما حزب الله، وإما الكفر بالله.
فكان الخيار الثاني أكثر يسراً وسهولة من الأول، ذلك أن الكفر بالله، سواء كان الكافر عن غضب، أو في حالة رضى، وسواء كان جاداً أو هازلاً، فالله “غفور رحيم” فيما الكفر بحزب الله لا يعني سوى “نهارك أسود” و “أيامك سوداء”، فالقمصان السوداء جاهزة للاختطاف والتنكيل، وكانت بيروت شاهدة على وقائع موت مقيّدة ضد مجهول، هو المعلوم لدى المحاكم المحلية والمحاكم الدولية، ومعلوم من كل عين رأت وأذن سمعت، أن كلّه على طريق القدس ومن أجل عيني فلسطين، فكانت النتائج، نتائج الخمينية أن ضيّعت ما تبقى من فلسطين، ومسخت ما امتلكت أيديها من بغداد، وها هي سوريا تتنقل من دشمة إلى دشمة، ومن تهجير إلى تهجير، كرمى ليعني “ثورة الخميني” التي إن لم تنتقل من طهران إلى هذا الشرق الكئيب لابد أن تسقط في طهران.
لا اليمن مازال اليمن السعيد، ولا الشام مازالت شامة الزمن والأيام، ولا لبنان غادرت ذاكرة الاشتباك المميت، ولم يبق من بغداد لا نخيل ولا بدر شاكر السيّاب، أما عن “فلسطين” فقد باتت تماماً كما رسمها ناجي العلي في واحد من رسوماته الخلاّقة:
ـ فلس / طين.