السودان: حرب استنزاف طويلة في الفاشر دون أفق للحسم

مرصد مينا
تتواصل معركة الفاشر في إقليم دارفور، غرب السودان، منذ عدة أشهر، دون أن يتمكن أي من طرفي النزاع-الجيش السوداني وقوات الدعم السريع-من حسمها لصالحه.
ووسط تصعيد غير مسبوق في الهجمات خلال الأيام الأخيرة، تحوّلت المعركة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، حيث تقاتل القوات الحكومية والقوات الداعمة لها بضراوة لمنع سقوط المدينة، مع تنفيذ هجمات مضادة على الأطراف المحاصرة.
وفي هذا السياق، كشف اللواء معتصم عبد القادر الحسن، الخبير العسكري والمستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن الجيش السوداني تمكّن حتى الآن من صد أكثر من 222 هجوماً شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، في معارك عنيفة أوقعت آلاف القتلى من الجانبين ومن المدنيين.
ووصف الحسن المعركة بأنها “حرب استنزاف” حقيقية، مؤكداً أن الجيش يعتمد استراتيجية دفاعية صارمة تهدف للحفاظ على المدينة، مع إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف قوات الدعم السريع.
وأشار الحسن إلى أن الجيش السوداني استخدم هذه الاستراتيجية بنجاح سابقاً في معارك الخرطوم، بما في ذلك فك الحصار عن قيادته العامة بعد 21 شهرًا من المعارك، وهو الآن يكرر تكتيكاته الدفاعية والهجومية في الفاشر، معتمدًا على خبراته القتالية وتدريباته المتقدمة، في مقابل أسلوب “حرب العصابات” الذي تتبعه قوات الدعم السريع، المعتمدة على الهجمات السريعة دون قدرة حقيقية على تثبيت وجودها في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي تحليله للموقف، أوضح الحسن أن الفاشر تمثل معركة مصيرية لقوات الدعم السريع، التي تسعى لتعويض خسائرها في الخرطوم ووسط البلاد، أملاً في السيطرة على كامل إقليم دارفور، ومن ثم فرض شروطها على الحكومة السودانية أو إعلان حكومة انفصالية في الإقليم.
إلا أن الحسن استبعد قدرة قوات الدعم السريع على إسقاط المدينة، نظراً لتراجع قدراتها الهجومية وخسائرها الكبيرة في المعارك، إلى جانب مقتل معظم قادتها العسكريين في غارات الطائرات المسيرة التي ينفذها الجيش، مستفيدًا من اختراق استخباراتي ناجح لصفوف الميليشيا.
وأضاف أن سقوط الفاشر سيكون له تداعيات خطيرة على الحركات المسلحة في دارفور التي تقاتل إلى جانب الجيش، حيث قد يؤدي ذلك إلى تعقيد مشاركتها في الحكومة المركزية.
لهذا، تحشد هذه الحركات مقاتليها للمشاركة في المعارك، ضمن خطة استراتيجية وضعها الجيش لفك الحصار عن المدينة، عبر ثلاثة محاور: الهجوم البري من القوات المحاصرة داخل الفاشر، والتقدم من كردفان المجاورة، فضلاً عن تحرك قوات من الولاية الشمالية صوب الفاشر عبر مناطق مليط والمالحة.
في الجانب المقابل، كثفت قوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية هجماتها على المدينة، محاولة التقدم من المحور الجنوبي نحو مركز الفاشر.
ورغم فشلها في اختراق الدفاعات الأمامية للجيش، تؤكد مصادرها أنها تسيطر على مساحات واسعة من أطراف المدينة وتحاصرها من الجهات الأربع.
ومع ذلك، أفادت مصادر عسكرية أن القوات المهاجمة لم تتمكن من التوغل إلى وسط المدينة، مع تركيز هجماتها في الأحياء الجنوبية التي تضم مقر “الفرقة السادسة مشاة” للجيش.
وأشار ضابط متقاعد في الجيش السوداني في تصريحات صحافية يوم الجمعة إلى أن الحصار الطويل للفاشر يرهق القوات المدافعة داخل المدينة، خاصة مع حاجتها الملحة لإمدادات الذخيرة والسلاح، في ظل توقف الإمداد الجوي بسبب الحصار.
واعتبر أن كل يوم يمر في ظل استمرار الحصار يمثل استنزافاً مرهقاً للجيش، لافتًا إلى أن قوات الدعم السريع تلجأ إلى أسلوب جديد، يقوم على شن هجمات خاطفة على مواقع الجيش لتفكيك دفاعاته، مع التركيز على قصف البنية التحتية العسكرية بالقذائف والمسيّرات، في محاولة لاستنزاف الجيش واستدراجه لمعارك خارج نطاق المدينة.
أما من ناحية الصمود، فقد أوضحت مصادر محلية أن الجيش يحافظ على مواقعه في الفاشر بفضل دعم المدنيين المنخرطين في صفوف القوات المسلحة، إلى جانب المقاتلين المنتمين للحركات المسلحة الداعمة للجيش.
بينما أقرّ الناطق باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجآل، بأن المعركة قد تطول قبل أن يتمكن طرف من القضاء على الآخر، معتبرًا أن استنزاف الطرفين سيتواصل، في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تعصف بالمدنيين المحاصرين داخل المدينة.
وأشار رجآل إلى أن آلاف المدنيين اضطروا لحفر ملاجئ تحت الأرض هربًا من القصف العشوائي، حيث يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء، وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة.
وأكد أن الفاشر تمثل رمزًا تاريخيًا للجيش والحركات المسلحة، خصوصًا بعد سقوط المدن الكبرى في دارفور كنيالا والجنينة وزالنجي والضعين، ما يدفع الجيش للدفاع عنها حتى آخر لحظة.
ومع استمرار المعارك وتزايد أعداد الضحايا، باتت الفاشر مسرحًا لمعركة استنزاف طويلة الأمد، لا يبدو أن حسمها بات قريبًا لأي من الطرفين.