السوريون وقد ماتوا ضحكًا
لماذا الانتخابات الرئاسية في بلد مثل سوريا؟
وما معنى ارتداد بشار الأسد عن تراث العائلة، وهو تراث (الاستفتاء) عبر جرح السبابة (أو أي اصبع آخر) والـ (نعم) بالدم؟
سؤال مضحك، لسوريين ليس أمامهم بعد البرد والمجاعة وانعدام الامل سوى الضحك.
نعم الضحك.
ومن قال أن “الديك لايرقص مذبوحًا من الوجع؟
وصل الرجل الى السلطة بهراوة الاستخبارات، وبالعنف، ولم يكن يوم وصوله السلطة سوى “ولد لأبيه” هو الأقل شأنًا من بين أخوته، وصار رئيسًا وهاهو قد بلغ العام (21) في السلطة، فما الذي قدمه للبلد؟
خصخص الطبابة والتعليم وقطاع الدولة، وأطلق يد عصاباته في الاقتصاد السوري، ليتحوّل اقتصاد البلد من سلطة الببرقراط إلى سلطة الزعران والوكلاء، وهما الفئتان التي لايجمعهما في الاقتصاد شيئًا، فيما تجمعهم السياسة لتكون أكبر مآثرهم الحشد على السجون حتى باتت سجون الأب الراحل، تمثل رحمة بالقياس مع وريثه الحاكم.
ـ أجهض أية احتمالات لأية تحوّلات دمقراطية في البلاد توازن ما بين “ليبرالية السوق” و”ليبرالية الدولة”، فأطلق الأولى، واستبد بالثانية حتى بات السوريون في دولة هي”ليبرالية السوق في الدولة الأمنية”، وهي حالة فريدة من بين جميع دول العالم وتجاربه، ففي العالم نموذجين، احدهما النموذج الشمولي الستاليني، ويعني الدولة البوليسية، والنموذج الليبرالي الغربي، ويعني الديمقراطيات باعتبارها حامل من حوامل الاقتصاد.
وحكم (21) سنة، لم يدشن خلالها معملاً ولا سدًا، ولا إنجازًا في الاقتصاد يصب في لقمة خبز الناس، فتضاعفت المجاعة بالتوازي مع مضاعفة القمع والعنف، حتى بات السوري القابل بالاستبداد مقابل الخبز، فاقدًا للحرية والخبز معًا.
وهاهو يعلن ترشحه لرئاسة جديدة.
من فرض عليه هذا الاعلان، ومن يطالبه به؟
لا أحد من السوريين بمن فيه أنصاره يطالبونه بهكذا استحقاق، فهو رئيس الأمر الواقع، وليس بوسع السوريين سوى واحد من خيارين:
ـ إما قبوله كما هو، وإما الإطاحة به، بما يعني أنه غير مرغم على تبرير لبقائه في السلطة يتجاوز التبرير الوحيد:
ـ باق بالحديد والنار، وإذا ما احتاج الأمر فبالسلاح الكيماوي.
وليبقى، فثمة ما لايقبل أنصاف الحلول، أقله في بلد هجر نصف سكانه، ودمرت معظم مدنه، أما عن ضحايا الموت في السجون وعلى قارعة الطريق فمن الصعب حصر أرقام أو أعداد، فكل سوري “ميت” أو “مشروع ميت”، ويأتيك ليقول لك:
ـ أنا مرشحكم.
ليس بحاجة أبدًا لهذا الغطاء الذي لم يسبق أن عُمِل به، في بلاد شهدت سلطة أبيه، فكان الاستفتاء الشعبي.. الاستفتاء وحده، مرفق بمطربين ريفيين، يملأون الساحات ضجيجًا وغبارًا في تخليد (القائد)، ومن ثم في توريث ابنه، ومادام الأمر كذلك، فـ :
ـ لم هذه الردة؟
فليستمر في سياسة أبيه، دون بيانات ولا أغطية ولا أقنعة، والكل يعلم أنه لا انتخابات رئاسية، فهي الصيغة المستحيلة بعد خمسين سنة من نظام يشتغل بالبطش، والبطش على مرحلتين:
ـ مرحلة بطش الأب، وكان مرفقاً بجوائز ترضية من نوع “رغيف خبز” وحفنة أرز.
ومرحلة بطش الابن، وليس فيها سوى البطش، فالرغيف تاه، والأرز لايزرع في بلاد الفرات.
مرة ثانية وبحسن نيه:
ـ ما الذي يدفعه ليعلن عن انتخابات رئاسية؟
ربما لرفد النكتة بعوامل إضحاك جديدة.
السوريون يضحكون من دمائهم.
يموتون ضحكًا.